«انتبهوا منّا»..

حين تحدّث وزير الطاقة السعودي..تغيّر المشهد.

في قاعة مزدحمة بالوفود و الخبراء و العدسات، وقف الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، مبتسماً بثقة لا تحتاج إلى تبرير. كان الحديث عن البطاريات .. ذلك الميدان الذي تهيمن عليه الصين منذ سنوات لكن هذه المرة، بدا أن شيئاً ما تغيّر .. رفع الوزير صوته وقال: «بدأنا قبل سنتين، انظروا موقعنا من الصين، من نفس الشركة التي نشتري منها البطاريات، أقول لزميلي: انتبهوا منّا، فنحن قادمون للمنافسة بقوة العام المقبل.» صمت القاعة لثوانٍ لم يكن عادياً. ففي تلك اللحظة، لم يكن الأمير يتحدث عن منتج جديد، بل كان يُعلن — بطريقة واثقة و مبطّنة — ولادة مرحلة سعودية جديدة، عنوانها: لم نعد نشتري .. نحن نصنع. من السوق إلى المختبر: قبل عامين فقط، كانت المملكة تشتري بطاريات الليثيوم من الشركات الآسيوية. اليوم، باتت تبني مصانعها الخاصة، و تستثمر في استكشاف المعادن النادرة في أرضها، و تستقطب الشركات العالمية لنقل التقنية و تدريب الكفاءات المحلية. في عالمٍ تتسارع فيه التحولات الخضراء، لم تكتفِ السعودية بموقع المتفرّج، بل قرّرت أن تدخل السباق .. لا لتشارك، بل لتنافس و تتصدر. تصريح الوزير لم يكن مجاملة أو دبلوماسية، بل إعلان ثقة مبني على واقعٍ تشكّل بالفعل ، واقع تُصاغ فيه السيادة الصناعية كما صيغت السيادة النفطية قبل ثمانية عقود. بطاريات اليوم .. نفط الغد: في اللغة الاقتصادية الحديثة، البطاريات هي «نفط المستقبل». فهي التي تحرّك السيارات الكهربائية، و تُخزّن الطاقة الشمسية و الرياح، و تغذّي شبكات الذكاء الصناعي بالطاقة اللازمة. و لأن من يملك البطاريات يملك مفاتيح الاقتصاد الأخضر، فإن دخول السعودية هذا الميدان يعني ببساطة: أنها تدخل قلب الثورة الصناعية الرابعة بثقة اللاعب القادر لا التابع. ما وراء العبارة: حين قال الأمير عبدالعزيز: «انتبِهوا منّا»، لم يكن يخاطب الصين وحدها. كان يخاطب العالم أجمع، مؤكداً أن المملكة لم تعد تنتظر المستقبل، بل تكتبه بنفسها. في كلماته، تتجسّد روح رؤية 2030 التي نقلت السعودية من مرحلة الاعتماد إلى مرحلة الاكتفاء، و من الاستهلاك إلى الإنتاج، و من الملاحقة إلى الريادة. لقد كانت تلك الجملة القصيرة بمثابة إشارة ضوء على قمة جبلٍ طويل من العمل ، فخلفها مئات المشاريع و المختبرات، و اتفاقيات التعدين، و مبادرات الطاقة النظيفة، و شباب سعودي يعمل ليل نهار ليجعل من الحلم واقعاً. من النفط إلى البطارية .. قصة هوية جديدة: منذ اكتشاف النفط، ارتبط اسم السعودية بالطاقة. و اليوم، تُعيد المملكة تعريف هذه الهوية من جديد، لتقول للعالم إن الطاقة ليست نوع الوقود، بل العقل الذي يديرها. الهيدروجين الأخضر، و الطاقة الشمسية، و مصانع البطاريات، كلها فصول من قصة واحدة: قصة انتقال المملكة من كونها منبع الطاقة التقليدية إلى أن تكون صانعة مستقبل الطاقة النظيفة. عام 2026 هو عام التحوّل الفعلي حين وعد الوزير بالمنافسة في العام المقبل، لم يكن يرسم هدفًا بعيد المدى، بل يشير إلى خط زمني دقيق. فالمنشآت الصناعية قيد الإنجاز، و الشركات المحلية بدأت بالفعل في تطوير خلايا بطارية سعودية الصنع، و المشاريع البحثية تُموَّل، و الكوادر الوطنية تُدرَّب في أرقى المراكز العالمية. كل هذه التفاصيل تقول شيئاً واحداً: إن لحظة التحوّل قادمة. رسالة إلى العالم: في الماضي، كانت الشركات الصينية تُصدّر البطاريات إلى المملكة. و في المستقبل القريب، ستُصبح المملكة نفسها مصدراً لتلك التقنيات للعالم بأسره. و هنا تتغير المعادلة لا اقتصادياً فقط، بل سياسياً و استراتيجياً، لأن من يملك التقنية يملك القوة. لهذا، لم تكن عبارة الوزير مجرّد مزاحٍ دبلوماسي، بل كانت إعلاناً سيادياً بصيغة صناعية، و رسالة تقول: “لقد خرجنا من زمن النفط وحده، و دخلنا زمن البطارية، و زمن الوعي، و زمن القوة السعودية الجديدة.” بين البدايات والريادة: منذ عام 2016، حين أُطلقت رؤية المملكة 2030، و البلاد تمضي بخطى محسوبة نحو تنويع اقتصادها. و اليوم، بعد أقل من عقد، نراها تطرق أبواب مجالات كانت حكراً على القوى الصناعية الكبرى، لتُثبت أن الإرادة الوطنية حين تُدار بعقلٍ استراتيجي، تُنتج معجزات اقتصادية لا تقل عن معجزات النفط الأولى. في المشهد الختامي، يبتسم وزير الطاقة السعودي بثقة وهو يكرّر عبارته: «انتبِهوا منّا… نحن قادمون.» عبارة تختصر عقودًا من التغيير، وتعلن للعالم أن السعودية لم تعد تتحدث عن المستقبل .. بل أصبحت جزءاً من صناعته.