سؤال الهذيان!!

هل للهذيان معنى؟! هل الهذيان لغةٌ ينتجُ عنها معنى ما؟! في إحدى حكايات جدَّتي: أنَّ امرأةً (ذهنت) بليلة القدر، أي أنَّها صادفت ليلة القدر، فأخرجت رأسها من النَّافذة، ونظرت إلى السَّماء المضيئة، وطلبت من الله أن يجعل رأسها كبيرًا، فكبُر حتَّى لم يعُد بوسعها استعادته من خارج النَّافذة. تخيَّلتُ وأنا أنصتُ إلى حكاية جدَّتي: كيف نما رأسُها؟! وكيف عاشت بهذا الرأس خارج النَّافذة طول حياتها، وكيف بقي معلقًا تضرب فيه الريح حسب اتجاهات المواسم؟! تبسَّمت جدَّتي وقالت: إنَّها كانت تقصد أن يطولَ شعرُها، فكبُر رأسُها. هذه الحكاية تحيلُ إلى مخاتلة اللُّغة الَّتي لا تفي بما نقصدُه من معانٍ، وإلى أنَّ اللَّفظ ليس بالضَّرورة أن يكون ناقلًا دقيقًا لما نفكر فيه، ومن هنا تنشأ فكرة هذيان اللُّغة الَّتي تفارق معناها، وهذه اللُّغة هي لغة الآداب والفنون، سواءً القوليَّة كالشعر والسَّرد، أو المرئيَّة كالصُّورة الثَّابتة أو المتحركة، أو فنون التَّشكيل البصري. كلُّها لغةٌ (تهذي) بالمعاني، المعاني القابلة للتَّأويل والتَّفسير، تقول مجاز الحقيقة، وليس الحقيقة المباشرة، فالَّذي يقرأ الفنون أو يشاهدها على أنَّها حقائق سيكبرُ رأسه حتَّى يصطدم بالفراغ الكبير!!