العلم قنطرة السلام وبوابة التنمية.
ربط الفيلسوف الإنجليزي “فرانسيس بيكون 1561 – 1626” بين المعرفة والقوة، معتبرًا أن “المعرفة هي القوة، لكن هذه القوة لا تكتمل إلا إذا وُجهت نحو الخير العام” كما شدد فيلسوف المعرفة النمساوي “كارل بوبر1902 – 1994م” على أن “العلم لا يملك الحقيقة، لكنه يملك أدوات الاقتراب منها تدريجيًا” بينما أكد مواطنه النمساوي الفيلسوف “بول فايرآبند 1924 - 1994” “أن العلم ليس محايدًا في جميع الأحوال، بل قد يُستخدم لتبرير الأيديولوجيا السائدة” ولهذا فإن استقلالية البحث العلمي وشفافيته يمثلان ضمانة أساسية لبقاء العلم في خدمة الصالح العام. من هذه الرؤى الفلسفية الحصيفة نستخلص أن المجتمعات التي تسعى للسلام والتنمية، لا بد أن تتبنى رؤى علمية لا تكتفي بالابتكار التقني، بل تُحْسِن توظيفه في سياق اجتماعي وأخلاقي يخدم الإنسانية جمعاء. لكل هذا فإن العلوم السلام والتنمية مرتكزات معادلة لا تستقيم في صفٍ واحد إلا بهما جميعًا. فلم يعد العلم حِكْرًا على المختبرات أو النخب الأكاديمية؛ بل أصبح ضرورة حيوية في صياغة السياسات العامة، لاسيما مع تعقد التحديات المرتبطة بالتغير المناخي، والأمن الغذائي، والصحة العامة، والفقر. ففي كل مجال من هذه المجالات، يقدم العلم أدوات للتحليل والتنبؤ والحلول. لقد أصبحت الأدلة العلمية، والمناهج التجريبية، والبيانات الدقيقة جزءًا من المنظومة الحديثة لصناعة القرار. وبذلك، فإن العلم لا يسهم فقط في تقديم الحلول، بل في تجنيب المجتمعات من الانزلاق نحو أزمات كبيرة. فليست وظيفة العلم أن يكون أداةً للهيمنة الاقتصادية أو التفوق الجيوسياسي، بل وسيلة لتقريب الشعوب. وفي هذا الإطار، يبرز الدور الحاسم للعلماء في بناء الثقة في المجتمعات، إذ يمكن للبحث المشترك والمبادرات العلمية الموجهة نحو التنمية، أن تخلق جسورًا طويلةً ودائمةً من التعاون تفوق في تأثيرها الاتفاقات السياسية المؤقتة. وإذا كان للعلم أن يؤدي دوره في التنمية والسلام، فلا بد من غرسه في تربة التعليم، حيث إن ربط المناهج الدراسية بالقضايا التنموية والبيئية، وتعزيز مهارات التفكير النقدي والتحليل العلمي لدى الطلبة والطالبات، يمثلان شرطًا أساسيًا لإنتاج مواطنٍ واعٍٍ قادر على اتخاذ قرارات مبنية على الأدلة. كما أن مواجهة التحديات الكبرى لا تكون بإطلاق الشعارات، أو تكرار الأمنيات، بل بالعلم المجرب، والسياسات المبنية على الأدلة القاطعة. فالعلم ليس ترفًا فكريًا فحسب، بل هو المفتاح الحقيقي لسلام عادل، وتنمية مستدامة، وغدٍ أفضل لسكان المعمورة. على ضوء “رؤية السعودية 2030” فإن “المملكة” تسعى إلى تحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد معرفي، وقد تجلى ذلك في مشاريع مثل “نيوم” و”ذا لاين” و”البحر الأحمر” تلك المشاريع التي تمخضت من رحم التخطيط العلمي المتقن، لِتُجَسِّد مختبرات حضريةً مفتوحة، تدمج الذكاء الاصطناعي بالاستدامة البيئية. كما أنها تقدم للعالم نموذجًا عربيًا فريدًا، يثبت أن العلم ليس حِكرًا على دول الشمال، بل هو أداة متاحة لكل من يمتلك رؤية ثاقبة لا تلتبس، وإرادةً قوية لا تخور. كما تجدر الإشارة إلى جهود “المملكة” في تطوير قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، وتأسيس مدن وجامعات بحثية مثل “مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية KACST” التي تمتلك (32) مختبرًا يُشَغِّلُها قرابة (3000) عالم وباحث، كما طورت (45) شركة في التقنيات العميقة. وكذلك “جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية “KAUST التي أصبحت حاضنة للبحوث الرائدة في مجالات الطاقة والمياه والتقنيات الحيوية، حيث أطلقت مؤخرًا معهدًا متميزً للذكاء الاصطناعي لتسريع البحث والتطوير وتنمية الكفاءات الوطنية الواعدة. هذا ومن أجل تعزيز العلاقة بين العلم والمجتمع، وتأكيد أهمية استخدام المعارف العلمية لتحقيق غايات تنموية وسلمية فقد أعلنت “منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة - اليونسكو” في عام 2001، أن يكون العاشر من نوفمبر من كل عام يومًا عالميًا للعلوم من أجل السلام والتنمية، لأجل تحقيق أهداف سامية تشمل رفع الوعي العام بدور العلم في بناء مجتمعات تنعم بالسلم والاستدامة، وتقوية الشراكة بين الدول، و تعزيز التضامن بين الشعوب، عبر مشاريع علمية مشتركة، وتجديد الالتزام السياسي باستخدام العلم لما فيه خير العالم أجمع.