حين يكون للربح معنى.

حين يتحرك الإنسان بدافعٍ صادق، يصبح المستحيل مجرّد رأي. الشغف لا يطلب إذنًا من المنطق، ولا ينتظر الظروف المثالية، بل يصنعها، إنه تلك الشرارة التي تجعل الطريق نفسه جزءاً من المكافأة، والتي تُحوّل الخطأ إلى درس، والخسارة إلى حكاية تُروى. فحين يقودك الشغف، لا تعود تبحث عن الجدوى فقط، بل عن الجدارة بأن تكون في هذا المكان، تفعل ما تؤمن به، وتترك شيئًا منك فيما تصنع. من هنا يبدأ الفارق بين الاستثمار والمشروع؛ فالاستثمار فعل رياضيّ محض، يُقاس بالأرباح، ويُراجع بالتقارير، ويُغلق حين تتحقق النسبة المطلوبة. أما المشروع، فهو تجربة إنسانية لا تنتهي عند القيد المحاسبي، بل تمتد إلى الشعور الذي تولده، والملامح التي تُشبه صاحبها. الاستثمار يشتري الاحتمال، والمشروع يصنع المعنى. الأول يتعامل مع السوق، والثاني مع الحلم. الأول يطمئن إذا تحققت الأرباح، والثاني لا يطمئن إلا إذا تحققت الرسالة. ربما لهذا تبدو بعض الاستثمارات ناجحة، لكنها بلا ذاكرة. تُشبه الأبراج الزجاجية التي تُدهشك من الخارج وتفرغك من الداخل. بينما المشاريع الحقيقية تُشبه البيوت القديمة، تعرف أنها ليست الأكمل، لكنها تحمل روحًا تسكنك قبل أن تسكنها. مشاريع تولد من تجربةٍ شخصية، من نقصٍ شعر به صاحبها فأراد أن يُكمّله، أو من وجعٍ أراد أن يُحوّله إلى فائدة، أو من فضولٍ لم يجد له حدودًا. الاستثمار قابل للبيع في أي لحظة، لكن المشروع يُباع فقط حين يفقد معناه. الاستثمار يختبر المال، والمشروع يختبر الإنسان. ولهذا يبقى أصحاب المشاريع أطول عمرًا في الميدان، لأنهم لا يعملون فقط ليكسبوا، بل ليكملوا جزءاً من أنفسهم. وحين تنهار الأسواق، ينسحب المستثمر، بينما يقف صاحب المشروع بين الركام، يرمم حلمه لأن الحلم لم يكن يومًا سلعة. المال مهم، لكنه لا يُنبت المعنى. الاستثمار يُنمّي رأس المال، نعم، لكنه لا يُنمّي صاحبه، أما المشروع، فهو ما يربط الإنسان بما يصنع، ويجعله أقرب إلى فهم ذاته كلما تعب أكثر. المال ينمو بالاستثمار، لكن الإنسان لا ينمو إلا بالمشاريع. * مستشار موارد بشرية / مدير تنفيذي