عن أعمال الفنان هاشم سلطان ..

صفحة من كتاب النسيان .

اجد في الفنان هاشم سلطان (رحمة الله عليه) واحدا ممن يعانون الحيرة، في بحثهم عن الخصوصية الذاتية، فيتجهون الى التقليد والمحاكاة من اعمال الغير، وينسبونها لأنفسهم، او القفز الى التجريدية والمفاهيمية، وهم بهما جاهلون، وهذه كانت بداياته في العام 1993م، بتقليد اعمال (كاندنسكي، وموندريان، وميرو) مرورا بالنحت على الخشب والرخام والحديد، والأعمال الطباعية والخزف، وغامر بها بمعرضه الشخصي الأول، ولكنها لم تلق القبول والاستحسان، في ساحة مليئة بالتجارب المتميزة والهامات من الأسماء الأكثر خبرة وعلاقة ببعض المتغيرات الفنية، وعلى اثرها أصيب بالإحباط، فاتلفها جميعا، واعتزل الفن واتجه لتربية الطيور. ومع بداية الألفية الثانية حالفه الحظ بالدراسة في بريطانيا، وهناك وجد مبتغاه من المصادر والكتب والمتاحف، وعاوده الحنين للفن، بالدراسة من الصفر (الواقعية والتأثيرية والرومانسية وووالخ) واعتكف بالبحث والتجريب، وظهرت بوادر حسنة، في أعمال عن موضوع الكمانات بخامات الريزن وبرادة الحديد، اقام بها معرضه الثاني والثالث، ولكنه لم يقتنع بها ولم يحقق ذاته الفنية، فتابع التجريب، موظفا عنصر «الخيال» لأنه يعتبر من أهم المقدرات لدى الفنان وأشدها تعبيرا، لتحقيق ذاته الفنية فوجد ضالته في (إطارات السيارات، الربل) لترجمة معاناته الشخصية، وتتسق في ذات الوقت مع معاناة الكيانات الناعمة في بعض المجتمعات الإنسانية، الذين يعيشون تحت وطأة القيود والكبت، داخل تلك الكومة الرمزية من السواد، بأشكال فزعة هالعة، تتنفس الما ووجعا، ليظهرها «بخياله» الى عمل جمالي، غير مألوف، ليرينا من خلالها شيئا نُبصره بالعين مع شيء نُدركه بالبصيرة، فهي تجمع بين البصر والبصيرة، لأن العيون الجسدية وعين «الخيال» لا تعملان إلا معًا في الفنان، والواحدة لا تستثني الأخرى، وهو السبب في العمق والتنويع العجيبين اللذين اتصف به (هاشم) في النظر إلى الأشياء، عبر الأخطاء التي أرتكبها في مسيرته السابقة، لإثبات شخصيته الفنية، لإن الفنان الذي لا يملك البصر والبصيرة ليس «إلا مُزخرفًا»، لأنه بغير البصيرة الغنية «بالخيال» أنما يرسم سُطوحًا من الزخارف والنقوش والأشكال الهندسية، ملطخة بالألوان والمعاجين، قد تكون صورا بارعة سليمة من كل خطأ، لكنها تبقى رسمًا سطحيًا بلا روح ولا احساس، لذلك فأن خير السبل إلى الفن هو «الخيال» فما من فنان نحت رائعة أو رسمها إلا في ضوء «الخيال» وهذه الخاصية ينبغي ان تكون أيضا لدى المشاهد، لأنه عند مشاهدته الرسّم، بدون «الخيال» فلن يرى إلاّ سطوحا، حتى لو نظر إلى الروائع، وكلما أزداد تأملاً بالسطح قل فهمه لما هو كامن وراءه، وهذه هي القدرة الخاصة في (هاشم سلطان) التي وهبها الخالق له، وحفزته على تأكيد فكرته واتسقت مع ذاته، في ترجمة الشحنات الكامنة في عقله الباطني، بخامات بسيطة كانت مهملة، ليخلق منها (رؤيا) تشع منها وهجا من (الرؤى) ليصدم المشاهد، قبل ان يستفسر عنها، واقام بها معرضه الرابع، بعد الكثير من الجدل، ونجح باقتدار، بفوزه بالجائزة الكبرى في مسابقة بينالي «بنجلاديش الدولي الرابع عشر» وهي من اهم اربعة بيناليات عالمية، مقارعا 794 فنانا عالميا، ومتوجا مسيرته الفنية، بعد معاناة وتضحيات من أجل الفن، ورحل من هذه الدنيا محملا بالأحلام، واختفى اسمه مع زحام العصر، واندثرت اعماله تحت ركام النسيان .