في زاويةٍ هادئة من صالات المعرض، حيث تقلّ الضوضاء ويرتفع صوت الورق القديم، يتلألأ جناح دارة الملك عبدالعزيز كتاج من الذاكرة… هنا لا تُعرض وثائق، بل تُفتح أبواب الزمن. عند اقتراب الزائر، يشعر وكأنه لا يقرأ تاريخًا مكتوبًا، بل يعيش نبض الطريق إلى مكة عبر مئات السنين: من القوافل التي شقّت الصحراء على ضوء النجوم، إلى القطارات الكهربائية التي تعانق السماء بمحطات حديثة. الورق هنا لا يسرد أحداثًا… بل يحكي حكايات شوق. --- سفرٌ عبر المخطوطات… من القافلة إلى الحافلة إلى القطار داخل الجناح، تتوزع وثائق ومخطوطات أصلية نادرة: وثيقة تاريخية موقّعة في عهد الملك عبدالعزيز — رحمه الله — تكشف عنايته الدقيقة بشؤون الحجاج، وحرصه على أمنهم وتنقلاتهم. وكأن الحبر القديم يردّد قوله: “الإنسان أولاً… وخدمة الحاج شرفٌ لا يُضاهى.” صورٌ لمواكب الحجاج على ظهور الجمال، يسيرون في صمتٍ مهيب نحو الحرم، يرافقهم الدعاء والرجاء. ولقطات لمحطات الحافلات الأولى، ثم قفزة الزمن نحو قطار الحرمين السريع، سليل التطور، وريث خطوة القافلة… لكن بسرعة الضوء. في الجدار المقابل، مخطوطة تعود لعام 1344هـ، توثق تنظيم الدولة لشؤون الحج بعد توحيد المملكة، دليلًا على أن منظومة الحج بدأت من الورق، قبل أن تصل إلى التقنية. وفي صورة أخرى، الملك عبدالعزيز — طيب الله ثراه — يمتطي صهوة جواده متحديًا وعورة الطريق، ليصل إلى مكة، مبتسمًا… كأنه يعلم أن هذه الأرض ستغدو مستقبلًا منطلقًا للعالم. هنا، تتحول الوثيقة إلى ذاكرة، والصورة إلى حكاية، والمخطوطة إلى وطن. --- الدارة… ذاكرة الوطن ومسؤولية التاريخ وتعليقًا على مشاركة الدارة، أوضح المتحدث الرسمي لدارة الملك عبدالعزيز الأستاذ سلطان العويرضي لمجلة اليمامة: > “نشارك لأول مرة لإثراء البرنامج العلمي والثقافي للمؤتمر، بدعمٍ وتوجيه كريم من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس مجلس إدارة الدارة، واهتمام من الرئيس التنفيذي تركي الشويعر، من خلال «ملتقى تاريخ الحج والحرمين الشريفين» الذي يُلقي الضوء على تطور الحج عبر العصور ورصد أبعاد التقنية في التوثيق.” وأضاف العويرضي: > “نقدم عبر معرض «100 عام في العناية بالحرمين الشريفين» رحلة بصرية وتاريخية غنية، تضم وثائق أصلية ومخطوطات وصورًا نادرة، تكشف كيف تحولت خدمة الحج من الجهد الفردي إلى منظومة عالمية يقودها الإنسان بدعم التقنية.” وبيّن أن مشاركة الدارة تأتي لتوثيق تاريخ الحرمين عالميًّا، ونشر الإرث المعرفي للحج، وإبرازه كأكبر حدث إنساني سنوي تتقاطع فيه الثقافات، وتلتقي فيه القلوب على كلمة واحدة. وختم العويرضي حديثه لـاليمامة: > “الملتقى يقدم رؤى علمية حديثة عبر جلسات بحثية ومؤرخين من داخل المملكة وخارجها، لتكون الدارة منارةً تحفظ التاريخ، وتروي الحكاية، وتقدم للعالم الصورة الحضارية للمملكة وتطور منظومة الحج بما يواكب رؤية 2030”.