على ضفاف التاريخ..

جدة التاريخية تفتح نوافذها للعالم.

في قلب القاعة، حيث يقف الخشب العتيق جنبًا إلى جنب مع صور البحر، يستقبل معرض برنامج جدة التاريخية زوّاره بأسلوب لا يكتفي بعرض التاريخ… بل يجعلهم يعيشونه. جدة ليست مباني وأزقة، بل ذاكرة حضارية لطريقٍ سلكه العالم نحو مكة. هنا كان الحجاج ينزلون من السفن، يلتقطون أنفاس الطريق الأولى، ثم يكملون رحلتهم نحو المشاعر المقدسة. وفي أرجاء المعرض، تبدو تلك الرحلة متجسدة أمام العيون: سفن راسية، قوافل جمال، حشود تتجه نحو الحرم، ومواكب الكسوة الشريفة في مشهدٍ مهيب يخطف القلب قبل النظر. ويأخذ المعرض زواره في جولة بصرية ومعرفية تبدأ بتعريف شامل عن برنامج جدة التاريخية بوصفه مشروعًا وطنيًا يعيد الروح للمدينة القديمة ويحوّلها إلى وجهة عالمية نابضة بالحياة، كمنطقة تُمزج فيها الذاكرة بالاقتصاد والثقافة. ومن هذه المقدمة ينساب المحتوى إلى عرض مخطط الإحياء العمراني، حيث تظهر الرسومات والتصاميم التي توضح كيف تُرمم الأحياء التاريخية ويعاد تأهيل مبانيها، مع الحفاظ على تفاصيلها الحجازية الأصيلة، لتعود جدة كما كانت: مدينة تستقبل العالم. ثم ينتقل المعرض إلى مساحة تكشف ممكنات الوجهة السياحية التي تضم معالم مذهلة: من المساجد التاريخية المنتشرة بين الأزقة والميادين القديمة، إلى المواقع الأثرية والأسواق التي كانت تتعانق فيها التجارة مع ضجيج الحجاج، وصولًا إلى الفنادق التراثية التي أُعيد إحياؤها لتكون جزءًا من تجربة العيش داخل قلب التاريخ. وفي جانب آخر، يتعرف الزائر على المشاريع المستقبلية المقترحة، حيث تتحول المباني التراثية إلى أصول ثقافية وحياة جديدة تنبض داخل الجدران القديمة، في رؤية تتجاوز الترميم إلى صناعة اقتصاد ثقافي مستدام. ويختتم المعرض رحلته بعرض أبرز الإنجازات المحققة؛ تلك التي أعادت لجدة هيبتها المعمارية وروحها الأولى، فظهرت الواجهات كما لو أن الزمن عاد بها إلى بدايتها، وعادت الحياة إلى الشرفات الخشبية (الرواشين) التي كانت تحكي حكايات الزمن وروائح البحر. في كل زاوية من المعرض، يخرج الزائر بانطباع واحد: أن جدة لم تكن يومًا مدينة عابرة للحجاج… بل كانت بوابة الشعور الأول بالطريق إلى مكة. المعرض لا يقدم تاريخًا فقط، بل يعيد إحياءه. لتقول جدة للعالم: التاريخ حين يُصان… يتحوّل إلى مستقبل.