عناوين روايات تتحول إلى مصطلحات شائعة.

هناك عدد من الألفاظ والمصطلحات التي وردت في بعض الروايات استطاعت من خلال قوتها وانتشارها وتأثيرها أن تنتقل إلى حياة الناس لتصبح كلمات شائعة ومستخدمة على نطاق واسع، حتى مع عدم علمهم بجذور استخداماتها أو من أين جاءت. من هذه الكلمات مثلًا الدونكيشوتية، التي جاءت من رواية دون كيشوت (أو دون كيخوته) لكاتبها الإسباني ميغيل دي ثيربانتس، والتي تعني اللاواقعية والحماسة المفرطة، أو الطموحات العالية أو المستحيلة التي لا تتناسب مع القدرات الذاتية. وبلغ من انتشارها أنها استخدمت حتى في عالم السياسة حينما يقال عن بلد ما إنه يمارس نوعًا من الدونكيشوتية السياسية في إشارة إلى سلوك سياسي يتميز بالحماسة والرومانسية المثالية من أجل تحقيق أهداف مستحيلة أو غير عملية. وهناك مصطلح (اللص والكلاب)، وهو عنوان رواية للكاتب المصري نجيب محفوظ، لكنها أصبحت تدل على الإنسان المسحوق من المجتمع، والضحية التي تحولت إلى جانٍ، وإلى حالة صراع بين الفرد والمجتمع الخائن كما يراه الفرد، وعلى الفساد والخيانة والمطاردة. أما مصطلح (الخبز الحافي) الذي كان عنوانًا لرواية للروائي المغربي محمد شكري، فقد أصبح يدل على الفقر والمعاناة والتهميش الاجتماعي وعدم توفر أبسط احتياجات الحياة، والعيش دون كرامة. ويستخدم بعض الكتاب أو الصحفيين مصطلح (مشهد كافكاوي) لكي يشيروا إلى مظاهر سلبية مثل العبثية البيروقراطية في تنفيذ بعض المعاملات، أو وجود بعض الأنظمة المعقدة أو غير المنطقية التي ربما لا يعلم أحد كيف تعمل وقد تتسبب في سحق المواطن. ويرجع مصطلح كافكاوي إلى الكاتب التشيكي فرانز كافكا، الذي كتب عدة كتب تتضمن هذه الأفكار، منها المحاكمة والمسخ والقلعة. ولدينا أيضًا مصطلح (الأخ الأكبر)، الذي ورد في رواية 1984 للكاتب البريطاني جورج أورويل، والذي يعني في الرواية الحزب الحاكم المسيطر أو النظام المراقِب الذي يعرف كل شيء عن الناس، ويستخدم اليوم لوصف الدول الأمنية التي تراقب كل شيء، كما يشير إلى الفقدان المتعاظم للخصوصية لدى الناس. ويقترن هذا التعبير اليوم كذلك ببعض شركات التكنولوجيا التي تراقب مستخدميها لأهداف بعضها تسويقية. ويعتمد تأثير الروايات، وانعكاسها على أي مجتمع، وتغلغل مفرداتها فيه، على عدة عوامل؛ منها الأمية ونسبة التعليم فيه، وارتباط الناس بالروايات ومستويات قراءتها، وعلى شهرة الرواية أو الروائي الذي يكتبها. فبعض الروايات لا يمكن عدها سوى أنها منجم لغوي وثقافي ومفرداتي ينهل منه الناس، فنراه ينتقل دون وعي إلى أحاديثهم، وتصبح مفرداتها جزءًا من مفردات الشارع. بل إن بعض الروايات تعيد تعريف بعض المفردات عبر ما تضفيه عليها من ظلال أو معان تغير من طريقة فهمها. فهنا إذن لا يتغير مجرد ما نتلفظه من كلمات بعد قراءة بعض الروايات، بل فهمنا لبعضها ودلالاتها. كذلك قد نلاحظ أحيانًا تأثير هذه المفردات على الشرائح التي تقرؤها فقط لا على جميع الشرائح، وهو يشبه ما تفعله بعض الأفلام والمسلسلات التي تتسلل منها بعض الألفاظ إلى عامة الناس أو إلى متابعيها.