دربكة في الزمن الضائع.

معلقو كرة القدم في زمن تلفزيون الأبيض والأسود كانوا يقولون عن الزمن الذي يتوقف فيه اللعب بين الفريقين في الملعب بأنه (وقت ضائع) وحين أوضح لهم الكاتب الرياضي (نسبة للرياضة) عبدالله الضويحي في مقالة كتبها في تلك الزمانات بأنه لا يوجد هنالك وقت ضائع، بل وقت (بدل ضائع) فحدث ان تم (الاتفاق) على ما قاله الضويحي. أما مفردة الدربكة فقد حُبكت عنها وعليها مقولات وحكايات ساخرة وكان الذين يتابعون نقل مباريات كرة القدم عن طريق الإذاعة وقبل إمكانية النقل التلفزيون حين يسمعون المعلّق يصرخ بوجود (دربكة) أمام المرمى يعتقدون بأنه اسم لاعب من الدنابشة (مفردها دنبوشي) يتواجد في تشكيلة كل فريق ويدربك أمام المرمى في كل مباراة. (الدنبوشي) لمن لا يعرف معنى تلك المفردة من جيل (Z) تعني أفعال أو تمائم قيل بأنها من أفعال السحر توضع في مواقع معينة في الملعب أو تُعطى لأحد اللاعبين كي يفوز الفريق على خصمه . دعوني أُنحّي ذلك التوهم المتجاوز للمنطق والعقل جانباً وأعود لحكاية الزمن بدل الضائع أو المفقود حسب الكاتب الصيني (وانغ شيابو) الذي أرسل تلك الحكاية من الشرق الى الغرب وأحالها الى “ مارسيل بروست” الذي آمن بأن الزمن المفقود هو كل ما عاشه ويعيشه الفرد ويصبح له أصل ومآب. وما عدا ذلك مجرّد شظايا من الفرح والتعاسة تتقافز للحظات أمام العين ثم تجري لتستقر للأبد في الزمن المفقود. حين أضاع الوهمي (دربكة) الهدف هل كان يُفكّر حينها في شظايا لحظات تقافزت أمام عينه وخاف أن تفلت من ذهنه ليتلقاها حارس المرمى الذي التقط الكرة التي قيل انها (قَلَشتْ) من قدم دربكة المنفرد؟ لا ريب بأن كل الفلسفات قديمها وحديثها لا تقول بوجود وقت أو زمن ضائع، بل زمن محسوب بكل دقة. وتم تسمية عقارب الساعة لأهمية الوقت وهي تلدغ المتغافل والمستهتر واللامبالي لفرص الحياة كتلك التي يضيعها المدعو دربكةِ منفرداً أمام المرمى . * لندن