لماذا يتردد المبدع؟

هل تتوقع لو مشيت مع الحائط أن يتركك الناس؟ يؤلمني وضع بعض أصحاب الإبداع؛ حين تجلس معهم وتجد لديهم محاولات جميلة، لكنهم يترددون في مسألة الظهور. لماذا؟ علمًا بأن هذا القلق سيظل مستمرًا معك حتى لو لم تُظهر نتاجك، لأنك تنطوي على موهبة كامنة لا تبقيك ساكنًا، وتجعلك على طريقة المتنبي: عَلى قَلَقٍ كَأَنَّ الرِّيحَ تَحتي .. أُوَجِّهُها جَنوبًا أَو شَمالا صاحب الإبداع لديه ما يعتمل داخله، وإذا أظهره وجد من يحسده أو ينافسه بطريقة غير شريفة. اليوم نقرأ المتنبي وأبا تمام والبحتري وشوقي والبردوني وغيرهم، وفي الفن نشاهد لوحات فان جوخ، ومونيه وموسيقيًا نستمع لشوبان وموتسارت، وغيرهم وفي عالم الكرة حدث ولا حرج عن سلسلة من النجوم! ومع ذلك تجد لهم محبًا وكارهًا وحاسدًا وناقمًا (قاعد لهم على الدقة) كما نقول في المثل! هذه نزعات داخل البشر، يروضها الدين والعقل وترسيخ ثقافة التنافس الشريف، وإن كان أغربها الاستعداد لدى البعض للتشفي بك حال سقوطك أو وقوعك في خطأ، هي نزعة لدى البعض ممن لم يفعل شيئًا أو عشي عن تطوير نفسه ويريدك مثله، لعله يريد أن يدفع حالة النقص داخله، خصوصًا حين يسمع أحدًا يُثني عليك بخير. تذكرت في هذا السياق بيت رشيد الزلامي: يسبك اللي عاجزٍ عن دروبك .. لا فاعلٍ فعلك ولا هو مجنِّبْك الأصل أن يُبدع الإنسان، وأن يلتفت لطاقاته وما حباه الله من نعم، لا أن يكون شغله الشاغل انتظار هفوات الآخرين. وأعتقد أننا لو التفتنا لأولئك لن نكتب حرفًا أو نرسم لوحة أو نبدع نوتة. الحياة تمضي، والجمال سيبقى حولنا: هناك قلوب تدركه، وكذلك من لا يريد أن يراه، أو من لا يستشعره أصلًا؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه. وليس الأمر سلبيًا دائمًا، لأن الإنسان بطبيعته يمتلك قدرات تجعله يتجاوز كل ذلك، بل ربما وظّف تلك المؤثرات السلبية لصالحه، وأخرج أجمل ما لديه من نتاج أيًا كان شكله. وهنا يكمن الرد الحقيقي على الحاسد: أن تملأ عليه الأرض بإبداعك، يقول دعبل: وَيَضحَكُ في وَجهي إِذا ما لَقيتُهُ وَيَهمِزُني بِالغَيبِ سِرّاً وَيَلسَعُ مَلَأتُ عَلَيهِ الأَرضَ حَتّى كَأَنَّما يَضيقُ عَلَيهِ رُحبُها حينَ أَطلُعُ