زوجة « زهير ممداني »نموذج جديد للسيدة الأولى ..
«راما دوجي» فنانة ترى العالم كلوحة لا يمكن أن تكتمل.
في زمن سريع الإيقاع تنضج فيه الأشياء قبل أوانها، ويكسر كل الانماط المعتادة، ليخلق نمطاً خاصاً يتناسب مع معطيات العصر والجيل، فقبل زمن لم نكن لنرى قادة أو سياسيين في عمر أقل من الخمسين، أما الآن فمن الصعب التنبؤ بما يحدث ، فها هو (زهير ممداني ) الشاب الثلاثيني يتولى منصب عمدة لنيوورك لينطلق البحث حول جذوره وديانته وعمره، حتى زوجته المتوارية عن ضوء نالها نصيب كبير من الضجيج الإعلامي والبحث اليومي عن أصولها، فمن تكون زوجة الشاب المسلم الذي أصبح عمدة لأكبر وأهم مدن الولايات المتحدة ؟ الشابة العربية التي خطفت الأنظار منذ ظهورها الأول مع زوجها، من هي راما دوجي؟ وُلدت راما في 30 يونيو 1997 في مدينة هيوستن بولاية تكساس لأبوين سوريّين مسلميْن من دمشق وتعمل حالياً من بروكلين، وتُعرّف نفسها بأنها فنانة تصنع أعمالها استنادًا إلى التجربة، وتأثير المجتمع باختلاف قضاياه، في مجال الخزف تقوم بصنع بعض الأطباق المرسومة يدويًا، ويحمل تصميمها سمات تَذكّر بالتراث كالأزرق الأبيض والزخارف بأشكال دائريه والغرض منها ليس الزينة فحسب بل التوثيق والتعبير، أما في الأنيميشن فتستخدم صور بورتريه بحركات ناعمة وخطوط واضحة، وترسم مشاهد جماعية للنساء أو المجتمعات المهمّشة، وتتناول موضوعات الهوية والشتات أو الهوية المزدوجة والاغتراب، والمجتمعات التي تتنقّل بين أماكن مختلفة، كما تركز كثيرًا على تجارب النساء، الأخوة والأمومة والرعاية اليومية، اللحظات الصغيرة التي غالبًا لا تُرى في السرد العام، ومواضيع أخرى أكثر عمقاً مثل حصار غزة ومجاعاتها ، وتجارب اللاجئين بشكل صريح أو رمزي. تستخدم غالبًا الأسود والأبيض ما يتيح للمضمون أن يبرز أكثر. هي الفنانة التي لم يسمع العالم صوتها إلا عن طريق لوحاتها والتي وجدت طريقها للانتشار بعد تولي زوجها منصبه، وبالرغم من كونها لم تُعرف إلا من خلاله إلا أنها استطاعت أن تفرض هويتها وكينتونتها الخاصة من خلال ما ترسمه وتصدره للعالم أو حتى من خلال ما ترتديه من أزياء مستوحاة من الثقافة الفلسطينية، وبهيئتها البسيطة وشعرها القصير وعدم مبالغتها في التبرج ووضع المكياج، مما يعطي انطباعاً عن شخصية هذه السيدة وخروجها عن المألوف، لتقول للعالم أنا لا أقبل السير على خط مرسوم مسبقاً، الكثير من الامريكيين شبهوها بالأميرة ديانا أو بالممثلة اودري هيبون، وقد تعرضت للتنمر بسبب شكلها وملامحها الحادة، لكنها تقول كلمتها من خلال الفن وهو الرسالة التي لا يمكن تحويرها وتغيير مسارها أو التأثير فيها، فالفن حر ومنطلق ولا يمكن محاصرته، راما التي تكسر قانون الاتيكيت في اللباس المطلوب للظهور الرسمي للشخصيات السياسية وكأنها تمشي مع الناس ولا تنظر إليهم من المنصات لتلوح ببدلة رسمية فقط، (راما دوجي) ما تزال في العمر الذي تُعد فيه الأحلام مشاريع قيد التشكّل . لم تكن قصة راما استثناءً بل جزءًا من زمنٍ يقدّم قادة وسياسيين بالكاد خرجوا من العشرينيات، يواجهون تحديات أكبر بكثير من أعمارهم، ويُجبرون على اكتساب حكمة عقود في سنوات قليلة لكن راما، رغم كل ذلك لم تفقد ملامحها الأولى نعومة الشباب ودهشة البدايات وفضول العينين، كل ما حدث أن هذا النقاء صار محاطًا بهالة من قوة داخلية تُرى قبل أن تُقال، ولأن كل الأعين عليها كان عليها أن تكون أكثر من زوجة سياسي أن تكون حضورًا قائمًا بذاته، وأن توضّح بهدوء لا يخلو من عمق أن السلطة قد تُعرّي الوجوه، لكنها أيضًا تُظهر المعادن الحقيقية، وهكذا من بين الخطوات المتلاحقة والزمن الذي يركض، ظهرت راما دوجي كوجهٍ جديد في المشهد شابة، نعم، لكن بثقل من يعرف تمامًا أين يقف ولأجل ماذا. والفن عندها عمل مقاومة فراما دوجي ليست مجرد زوجة عمدة، بل فنانة ذات صوت مستقل، وهذا يجعلها نموذجًا جديدًا لـ السيدة الأولى في العصر الحديث، فبينما يعمل زوجها من المنصة السياسية، تعمل هي من المنصة الثقافية ويكمل كل منهما الآخر في دائرة التأثير، وبدلاً من أن تكون واجهة بروتوكولية فقط، يمكنها أن تكون فاعلة ثقافية، تشارك بصوتها وأعمالها، رغم أنها دخلت دائرة الأضواء بفضل فوز زوجها، اختارت أن تحافظ على سيرتها الفنية، دون أن تُحوّل إلى أداة سياسية بحتة مما يزيد من مصداقيتها، بعد فوز زوجها بالانتخابات، ارتبط اسمها أيضاً بالجدل فقد لمّحت بعض وسائل الإعلام إلى أنها مخفية أو أن ظهورها كان محدوداً، ما فتح باب الانتقادات كذلك بعض أعمالها التي تعبر عن دعم للقضايا مثل فلسطين أو اللاجئين تسبّبت بردود فعل متباينة، ما يضعها في موقع يتوجّب فيه عليها أن تدافع أو تشرح وفي هذا السياق، يمكن قراءة التنمّر ليس فقط كهجوم، بل كتحدّ، كيف للفنانة من خلفية مهاجرة أن تحافظ على طريقتها الخاصة في لحظة سياسية كبيرة؟ وكيف يمكن أن تستخدم الفن كمنصة للرد لا بالألفاظ، بل بالصور والأشكال والمواد فهي تحول الضغوط إلى وقود إبداعي، وتُحَوّل الانتقاد إلى نقاش ثقافي . وبقراءة سريعة لفن راما فهي لا ترسم المرأة كصورة جميلة، بل ككيان يعيش في منطقة معقدة بين الانتماء والاغتراب، امرأة عربية مهاجرة أو محجبة أحيانًا، وقد تكون ممتلئة أحيانًا، وبعيدة جدًا عن الكليشيهات الغربية أو الشرقية، المرأة المحجبة في أعمالها ليست رمزًا دينيًا بل رمزًا للاختلاف الذي يُساء فهمه، فهي تُظهِر المحجّبة غالبًا في وضعيات هادئة، تجلس، تتأمل، تطبخ، تُمسك بيد أحد… وهذا يخلق صدامًا مع الصورة النمطية للمحجبة كرمز سياسي أو صراع، فراما تعيدها إلى حياتها اليومية العادية، وتقول بالفن أن هذه المرأة ليست موضوعًا للجدل بل إنسان، كما أن الجسد الممتلئ في أعمالها هو رفض مباشر لمعيار الجسد الواحد، وهي ترسم الجسد كما هو ثقيل أحيانًا أو بسيط وغير مثالي في مجتمع يمجّد النحافة كقيمة جمالية، راما تعرض الجسد الممتلئ بدون اعتذار، وبدون تلطيف أو تجميل مبالغ فيه، هذا ليس مجرد قبول الذات، بل إعلان سياسي للجسد المقموع، لماذا المختلف؟ وكيف يتحوّل إلى موقف جمالي؟ تكرار رسم المختلف كالمحجّبة، الممتلئة، العادية، الصامتة يُظهر أن راما لديها هاجس واضح لتطبيع الوجود الهامشي، ففي الفن الغربي السائد تُرسم المرأة العربية أو المسلمة في حالتين كضحية أو غريبة وهي رموز مجحفة أو صادمة، لكن راما تهدم كل هذا كما أن راما ترسم بورتريهات كثيرة لنفسها، ودون أن تضطر لتحسين الصورة أو المبالغة في طمس العيوب، على العكس تماما فهي تظهر نفسها للعالم كما هي بعينين تحملان نظرة حادة ووجه لا يتكلف عناء التصنع، وسنلاحظ وجود العينين والتركيز عليهما حاضرا بقوة في أغلب لوحاتها، وبصمتها الفنية تظهر أن المختلف مركز اللوحة، لا الهامش وهو ليس موضوعًا للدراسة بل ذاتًا لها عالمها، الجمال في أعمالها لا يأتي من النعومة أو المثالية، بل من الراحة في الجسد والبساطة، والعلاقات الاجتماعية ورصد الحياة اليومية كالطعام والمنزل وتفاصيل صغيرة مثل يد تمسك يدًا أخرى، بهذا، تقول راما: الجمال ليس في التشابه، بل في الارتياح داخل الاختلاف، وهذا ردّ مباشر على عالم يتوقع من المختلف أن يشرح نفسه ويبرر نفسه دائمًا، فالهدوء شكل من المقاومة، لأنها شخصيًا تعيش التناقضات ذاتها فهي عربية/أمريكية ومهاجرة/مستقرة وامرأة في مشهد سياسي أمريكي، وفنانة تتناول قضايا ثقيلة مثل فلسطين واللاجئين لتحول التجربة الشخصية إلى فلسفة فنية، لوحاتها تقدّم رسالة ناعمة لكنها قوية تقول إن لكل جسد ولكل امرأة، ولكل انتماء مختلف الحق الكامل في أن يكون طبيعيًا وعاديًا وجميلاً، أما انتقادها سياسيًا بعد فوز زوجها، خصوصًا بسبب دعمها لقضايا إنسانية، وكأنها تخضع السياسة للفن، لا الفن للسياسة، فهي ما تزال امرأة شابة لكنها لم تظهر نفسها كزوجة سياسي تتصدر صورته المشهد، بل أظهرت نفسها كراما الزوجة الداعمة، والفنانة لا التابعة ، وبالرغم من ذلك هي صاحبة قضية ورسالة، وتحمل على عاتقها التلويح للعالم كله بما تتبناه من قضايا ومواقف سياسية أو اجتماعية أو نسوية حتى، مما يجعل منها الوجه الآخر للتغيير القادم، وكل ما تعرضت له من نقد وتنمر لم يكن إلا في مصلحة هذا الفن ومصلحة زوجها قبل ذلك، فالعالم متعطش للتغيير للجديد، والناس بحاجة لسياسيين جدد يشبهونهم ويتقاطعون معهم في الكثير من أمورهم، لا مرشحين بحملات زائفة يرتدون بدلاتهم الأنيقة ويلقون خطاباتهم المليئة بالوعود الكاذبة فقط ، راما وزهير أبناء هذا الزمن المتسارع الذي فقدت فيه الكثير من القيم قيمتها وسقطت قيمة الإنسان، لذلك لم تكن مصادفة أن تكتسح صور لوحاتها الإنسانية العالم بينما يطالب زوجها ببناء وحدات سكنية ميسّرة، و تخفيض أسعار المواد الغذائية، وتقديم حافلات نقل مجانية، و زيادة الحد الأدنى للأجور.