داود الشريان...دويّ السخرية!.

بملامح حادّة يحاول إخفاؤها بابتسامة مراوغة تنتظر لحظة الحسم لتصرخ مستفهمة : « وراو؟» , تلك جزء من الصورة الذهنية التي تحتفظ بها ذاكرتنا عن الشريان , داود الاسم الذي تُلح « العربية « أنه ممنوع من الصرف بعلّة «العلمية « لا « العُجمة» مع أشد الاحترام «لمسالك ابن هشام « , وانحيازاً « لدروب الإعلام « , فداود – وهذا ليس استطراداً لكنه جزء مهم من الشخصية – المحارِب « للواو» التي يعرف الساخرون مغزاها وغزواتها , لم يستغنِ «داوود» عن الواو فحسب بل أصبح «علّة نحر» لمحبيها , ليس فقط تجنباً لتكرارها بل وللتخلص من «الواو» الذي يكاد يتفق «العامّة وليس أهل اللغة» على إنه «فيتامين» وليس حرفاً!, المفارقة أن أهل اللغة يرون جواز كتابة « مسؤول» بــ»واوين» فيما لا يحق لداود أن يحتفظ «بواوه « , وحتى لو سلبت «واوك» فلا يحق لك أن تتساءل : «وراو»؟! في البرامج التلفزيونية أجزم أن برنامج «الثامنة» وصل «للناس» وتحديداً «للمقلط « وليس لـ»صالة الجلوس» , وليس ثمة سر في الفرق بين المكانين , فالناس – البسطاء- يضعون جهاز التلفزيون عادة في «المقلط « , أما أصحاب البيوت الفسيحة التي بها صالة جلوس فخمة ( كما نشاهدها في التلفزيون) فلا تهمهم المواضيع التي يطرحها برنامج الثامنة , بل أنها قد تسبب لهم بعض الحساسية , خاصة أولئك الذين لم تستطع اللغة أن تسلبهم شيئاً من « الواوين» التي أشرنا لها قبل قليل , ويا لسخرية اللغة التي تصر على « همز» واو المسؤول! محطات داود الإعلامية كثيرة ومثيرة , ولا تخلو من ومضات فنتازيا تليق بشخصية داود الساخرة , ففي رئاسة تحرير مجلة « المسلمون» لك أن تتخيل أول ما وضعه داود على طاولته هي « طفاية التتن»! , ولا أدري هل كان المكان آمناً أم متشظياً ؟ هل كان الشعور وقتها شعور « عيال البسة» أم «عيال الكلب» حسب تقسيم داود في مقاله الشهير! و»عيال البسة» هو عنوان الكتاب الذي صدر للشريان في عام 2023 , إذ جمع فيه مقالات من عموده الشهير « أضعف الإيمان « , و « أضعف الإيمان « عند داود ليس «الإنكار بالقلب» بل إنه يصب سوط سخريته كما يقول المثل البدوي: « على المسوي وجاره « وهي صيغة مبالغة تعني أنه لا يعاقب صاحب السوء فقط بل يصل العقاب لجيرانه! وداود في الكتابة الساخرة هو نقيض أسلوبه في التلفزيون , ففي عموده المشاكس لا يصرخ ولا ينفعل , فقط «يلسع» برشاقة هائلة , هذه اللسعة لا تقتل, فقط تجعل الملسوع يضحك « يضحك على خيبته» ! , وفي نهاية العمود تجد داود «ضحك» على الملسوع و» الرقيب» معاً! خذ مثلاً تلك القصة التي درات بين الكلب العربي والكلب الأوربي , فحسب رواية داود – وبتصرف مهو شوي- أراد الكلب الأوربي الغاضب الهجرة لديارنا , وصادف أن التقى بكلب عربي ينوي الهجرة لأوروبا , ودار بينهما حوار (كلبي) كانت « اللسعة» في نهاية الحوار عندما سأل الكلب الأوربي عن سبب إصرار الكلب العربي على ترك الوطن العربي رغم قدرته على الأكل والشرب من «خشاش» الأرض , فطالبه العربي ( الكلب طبعاً) أن يلغي فكرة الذهاب للعالم العربي حيث يبرر ذلك بقوله : ( ستفقد ما هو أهم من الأكل والشرب , لن تكون قادراً على النباح , أنا مهاجر لأنني أريد أن أنبح.. هل فهمت؟) وهنا سر قدرة داود على المشي دون أن يستفز ألغام الرقيب فهو يطرح أكثر من احتمال لطيف وبريء دون أن يقصدها جميعاً , وفي نهاية كأنك تسمع ضحكة مكبوتة ينزّ منها سؤال : « هل أنت من عيال البسة أم عيال الكلب» , كن حذراً وقل : « أنا ولد أبوي..يابن اللذينا» وضع نقطة آخر السطر ..هكذا .