السعودية استدرجت المستقبل حتى أصبح جارَها.
ليس من السهل على الدول أن تسبق زمانها، لكن السعودية لم تكتفِ بذلك، بل استدرجت المستقبل بخُطى واثقة حتى أصبح جارها، يُحادثها من ناطحاتها، و يشاركها الطموح من مختبراتها، و يُصافحها كل صباح في أعين أبنائها المبدعين، و يتفيّأ ظلّها على مدنٍ كانت ذات زمنٍ تحبو، فأصبحت اليوم تركض في مضمار الكبار. السعودية، تلك البلاد التي اعتادت أن تُفاجئ العالم، لم تتوسل للمستقبل أن ينتظرها، بل جرّته نحوها جذباً بالإرادة لا بالصدفة، و استدرجته لا بالتنازلات، بل بشجاعة التخطيط و طول النَفَس. منذ أن قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: “طموحنا عنان السماء”، أدرك الزمن أنه صار مطالباً بتعديل سرعته، لأن هذه البلاد قررت أن تصنع وقتها الخاص. المستقبل في تقويم المملكة لم يكن وعداً مؤجلاً، بل مشروعاً يُبنى و يُقاس و تُحاسب نتائجه. فبينما كان بعضهم يغرق في خطابيات التنمية، كانت السعودية تنحت المستقبل على أرض الواقع: من مدينة نيوم التي تحاكي خيال المهندسين، إلى الرياض التي تُعاد صياغتها لتكون أعظم العواصم، إلى البحر الأحمر الذي غدا مرآة حضارية تجمع السياحة بالاستدامة. استدرجته عبر بواباتٍ لم تكن تُفتح إلا لأصحاب الرؤية، لا الضجيج. فبُنيت “بوابة الدرعية” على أطلال المجد الأول، لتروي قصة المملكة من الطين إلى التيتانيوم ، و شُيّدت “بوابة المستقبل” من التعليم و التقنية، لتكون المدارس منصات لا جدراناً، و المناهج نوافذ على العالم لا مرايا مغلقة. في الاقتصاد، لم تكتفِ السعودية بأن تكون قوة نفطية؛ استدرجت المستقبل الصناعي و التقني إليها، فحوّلت الرمال إلى رقائق، و الموارد إلى استثمارات عالمية. في الذكاء الاصطناعي، لم تقف على الهامش، بل أرادت أن تكون عاصمة القرار الأخلاقي العالمي له، فأطلقت المبادرات، و استضافت القمم، و جعلت من المستقبل موضوعاً سعودياً. المجاز هنا ليس مبالغة؛ هو تصوير لحقيقة تتجلى كل يوم .. أن تُقيم كأس العالم للألعاب الإلكترونية، و تبني أكبر مشاريع الطاقة الشمسية، و تتصدر مؤشرات التحول الرقمي، فذلك ليس مجازاً أدبياً بل واقعاً يعترف به القاصي قبل الداني. في السياسة، لم تنتظر السعودية أن يُملَى عليها دورها .. بل كتبته بنفسها، على أوراق من وضوح و دهاء. فصاغت التوازنات، و تقدمت ملفات السلام، و تجاوزت صراعات الإقليم بنضج الفاعلين، لا تردد المراقبين. حتى المستقبل السياسي للمنطقة، بات لا يُرسم دونها. أما الإنسان السعودي، فكان هو المفتاح .. فحين استدرجت المملكة المستقبل، كانت تُراهن عليه، و على عقله، و موهبته، و جرأته على الحلم. ففتحت له النوافذ، و منحته مفاتيح التغيير، و جعلته يتذوق طموح وطنه، لا طموح غيره ، فجاءت رؤية 2030 لتقول: لن ننتظر الغد حتى نكون، بل سنكون فنُرغِم الغد أن يأتينا. و في الفن و الثقافة، لم تعد السعودية على الهامش، بل في مركز الإنتاج العربي و العالمي. هنا مهرجانات تنبض بالحياة، و هنا مواسم تحاكي أكبر عواصم المتعة و الفن. هنا بلدٌ قرر أن يروي نفسه بدل أن يُروى عنه .. استدرج المستقبل حتى في لغته البصرية و الدرامية، و أعاد تعريف ذاته من الداخل، لا عبر الخارج. السعودية لم تكتفِ أن تكون على خارطة الزمن، بل أرادت أن تكون مركز الجاذبية فيه ،و لهذا فإنها لم تطرق باب المستقبل، بل فتحته، و استضافته، وجعلته مقيماً دائماً، يتحدث العربية، و يرتدي الثوب السعودي، و يفكر بعقل الدولة التي لا ترضى إلا بالصدارة. وهكذا، لم يكن الأمر حُلماً وردياً أو مديحاً بلا سند، بل مساراً محسوباً، و مشروعاً له أدواته و مراحله. نحن أمام بلدٍ لم تُغيّره الثروات فقط، بل غيرته الرؤية، رؤية قادته الذين يعرفون أن المجد لا يُورث .. بل يُبنى. السعودية لم تعد تنظر إلى المستقبل بوصفه سؤالاً .. بل بوصفه جواباً سعودياً محضاً. نعم، لقد استدرجته حتى أصبح جارها… يُطرق بابها كل صباح، و يقول: مرحباً أيّها الوطن الذي سبقنا.