أهداف سويف روائية مصرية تكتب رواياتها بالإنجليزية، وقد تُرجمت أعمالها إلى العربية على يد والدتها الدكتورة فاطمة موسى، التي ارتبط اسمها بمجموعة من الترجمات المهمة من العربية إلى الإنجليزية ومن الإنجليزية إلى العربية، وقد شغلت الأم مناصب مهمة عديدة منها رئاسة قسم اللغة الإنجليزية بكلية آداب جامعة القاهرة. الروائية أهداف سويف هي ابنة عالم الاجتماع المصري المشهور د. مصطفى سويف، وقد كان مستشارا في كثير من المنظمات الدولية التى تهتم بالإنسان إضافة إلى أنه كاتب وأستاذ جامعي. أما أهداف سويف فهي كما تعرف نفسها كاتبة مصرية عربية تعيش في الغرب، وقد درّست في عديد من الجامعات العربية منها القاهرة والرياض، يتجلى في رواياتها إحساسها المرهف بالإنسان العربي، كما نرى في أشهر رواياتها “ خارطة الحب “، ففيها محاور عربية عبر الجغرافية والتاريخ المصري وعبر أمريكا وبريطانيا، وفيها محور فلسطيني مصري، يحسسك بقيمة الإنسان العربي قبل أن تضع سايكس بيكو حدودها وجدرانها العازلة. هذا الكتاب يتضمن مجموعة من مقالاتها التي نشرت في أكثر من جريدة أوروبية بين عامى ٢٠٠٠ - ٢٠٠٤، ورغم أن محورها فلسطيني إلا أنك تشعر بأن هموم الإنسان العربي عابرةٌ للحدود العربية. عام ٢٠٠٠م بدأت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ومن موقعها في الغرب وأمام شاشة التلفاز، حيث تتنقل بين القنوات العربية والأجنبية، ترصد أهداف اتساع الفجوة بين القنوات العربية والعالمية، يوما بعد يوم، حتى ليكاد نفس الحدث يجري في كوكبين مختلفين، هذه الأحداث مع بعض الظروف الشخصية أعجزت الكاتبة عن البدء في رواية جديدة (بعد خارطة الحب)، التفتت إلى الكتابة السياسية و المباشرة ، ثم جاءتها دعوة من جريدة بريطانية ذائعة الصيت (الجارديان) للذهاب إلى الأرض المحتلة، لكتابة موضوع عن الأحداث، انتشلها هذا العرض من التليفزيون، ووضع القلم في يديها . نظمت الرحلة لكى تذهب إلى الضفة و القدس عن طريق الأردن (جسر الملك حسين أو جسر اللنبي)، بحكم جنسيتها الإنجليزية كان يمكن أن تجد رحلة طيران مريحة عبر مطار اللد، ولكنها اختارت الحركة كما يفعل أهل فلسطين، خاصة وأنها - أى أهداف - لا تفهم أساسا معنى الحديث عن التطبيع، متى كانت علاقتنا بإسرائيل طبيعية ؟ الطبيعي في علاقتنا مع إسرائيل أنها علاقة عدو، قاتلنا فقاتلناه، قتل من أسره من رجالنا، شرد شعبا شقيقا، تسبب في مختلف مصائبنا، وتعدد أهداف ما يرتكبه العدو من جرائم بحق مصر. إذن قررت أهداف أن تستغل وجود منبر غربي تنقل منه صوت الشارع الفلسطيني للرأي العام الغربي، قررت أن تسجل” يوميات رحلة فلسطينية” ، وكان التعاقد على ثلاثة الآف كلمة، كتبت في كل يوم من الأيام الستة، وصل ما كتبته إلى أربعة عشر ألف كلمة، لم تسجل كل ما رأت، ورغم ذلك فقد كان المقال عصيا على الإختصار، واتفق معها المحرر المسؤول، فقررت الجريدة نشر المقال على حلقتين، أولاهما من ستة الآف كلمة والثانية من أربعة آلاف كلمة. تقول : اتخذوا القرار، ثم أصابهم الذعر ، قالوا : هذا صوت لم يُسمع من قبل في الإعلام الغربي، قلت: هذا هو لب المشكلة، قالوا : هذه ليست كتابة صحفية، إنها كتابة روائية، قلت: استعملت التقنيات التى أجيدها، ليس هناك كلمة لم يقلها شخص، أو حادثة واحدة لم أشهدها، قالوا: المقال لا يوضح وجهة النظر الإسرائيلية قالت أهداف : وجهة النظر الإسرائيلية تملأ صحفكم على أي حال ولستم بحاجة إليّ لأقدمها لكم، قالوا : لم تذهبي إلى تل أبيب؟ قلت : لم أستطع. وجدوا أنهم في مشكلة، أدركوا أن أمامهم شيئا جديدا على الصحافة الغربية. جاءتهم ثلاث مقالات، اثنتان ضد، أحدهم شبه المقال بخطب النازي جوبلز. وواحد مع، أُوقف الموضوع عند هذا الحد. المجلة الأدبية ، لندن ريفيو أوف بوكس كانت قد نشرت مقالا قبل أسبوعين من مقال الجارديان، كتبه إدوارد سعيد، عن الوضع الفلسطيني، إثره ألغى بعض المشتركين اشتراكاتهم. الأهم أن أهداف تلقت دعوات للحديث في عدد من المحافل، بينها برامج إذاعية واسعة الجمهور تطلب الحديث عن الأوضاع في الأراضي المحتلة. في أول أيام رمضان وصلت إلى الجسر، مبنى المغادرة الأردني شبه مهجور، الضفة مغلقة، القدس مفتوحة باعتبار أن الصهاينة لا يعتبرونها جزءا من الضفة بل من اسرائيل، بعض الركاب يعودون إلى عمان، الموظف الأردني يقول : إن عليها أن تذهب مع الأجانب لأن جوازها بريطاني، يقول أحد المسافرين: هذه مصرية يا أخي، وأول مرة لها هنا، بالله تتركها تأتي معنا. سأل الموظف إن كانت قادرة على دفع رسم الـ VIP. الجسر بين الضفتين، فيروز تغني: يا جسرا خشبيا يسبح فوق النهر، ساروا فوق الجسر، امرأتان وطفلة شقراء، الجنود الصهاينة فوق رؤوسهم، خلف مدافعهم الرشاشة، يدخل إسرائيلي شاب ، يطلب بعربية مكسرة أن تملأ بعض الاستمارات، تقول: “ لا أريد الختم على جوازي “، زمان كان الختم الاسرائيلي يمنع صاحبه من دخول البلاد العربية، طبعا قبل التطبيع. لكن أهداف لا تتحمل رؤية ختم إسرائيل على جوازها. تظهر أسوار المدينة القديمة، مصفحة اسرائيلية إلى جانب البوابة، تمر من باب الزهراء، القدس مدينة قديمة، بنيت من الحجر الوردي، شوارعها مرصوفة بالحجر، الذي صقله الزمن فهو يلمع لمعانا ورديا خافتا، حول أبواب البيوت رموز تدل على أن صاحبها حج البيت الحرام. أمام بوابة الجامع الشريف ثلاثة جنود مسلحين، الجواز بريطاني، لماذا تدخلين؟ ، لأصلي، أنت مسلمة؟ كل مسلمي فلسطين اليوم ممنوعون من الصلاة، الرجال أقل من ٤٥ سنة من أهل القدس ممنوعون أيضا، خطوات وتصبح في الحرم، خلف سور الحرم تظهر الكنائس والمنازل والاستدارة الذهبية لقبة الصخرة، تنظر النساء إليها بفضول: من أين يا أختي؟ تساءلن : إن كان عندي مبات؟ كل واحدة تريد أن تستضيفني؟ ، مضيت مع أم ياسر، بيتها يبعد دقيقتين عن الحرم، لديها شابتان: كنتاها، تشير إلى واحدة منهما “ هذه زوجناها منذ ثلاثة أيام، على فنجان قهوة والله، فيه حد يعمل فرح والناس عم؟ أخذتها أم ياسر إلى الباب، أشارت إلى الباب المواجه لبيتها، انظري، هذا البيت يسكنه المستوطنون، يجلسون أمامه، يتحرشون بكل من يمر، و لكن كيف أخذوه، لا نعرف كيف اشتراه شارون من الملعون فلان، اختفى الملعون، عرفنا عنه حين مات، لم يقبل أحد أن يُدفن في أرضنا، العيال يلعبون الكرة، “طبت” في أحد المستوطنين ، مسكوا ابني، و قالوا راح ننادي البوليس ، قلنا : أطلقوا الطفل، لكن جاء مستوطنون آخرون، عددهم ٢٠٠ من مستوطنة عطاروت كولونيا، ضربوه بكل ما معهم، الناس “طبوا” من الجامع على “عياطنا”، صارت عركة، جاء البوليس، قال : أنتم المعتدون، في المستشفى ما رضيوا يعالجوا ابني على التأمين ، دفعنا، وعلى هيك كل يوم، غاز مسيل للدموع، ذخيرة مطاطية تقذفنا، الأطفال الفلسطينيون يقشرونها، يستخرجون البلية الصلبة، يقذفونها بالنبل على الجنود. اليهود يفتشون كل شيء، من خوفهم، يخافون من الهواء. في المساء ذهبت إلى بقال قريب، أريد زبادي وتمر السحور، علبة زبادي مكتوب عليها بالعبرية، قلت : أريد زبادي فلسطيني، أشار إلى ثلاجة أخرى، علبة زبادي مكتوب عليها بالعربية منتج القدس، التلفزيون المعلق على الحائط ينقل الأخبار من محطة عربية، إصابة خمسة من العمال الفلسطينيين برصاص مستوطنين، هرب السادس طالبا النجدة، جاءت سيارات الإسعاف، استوقفها الجيش للتحقيق، مات العمال الخمسة، توقف كل من في المحل وحوله يحدقون في شاشة التلفزيون، دمعت عيناي عندما ظهرت زوجة أحد الضحايا تولول على الشاشة، من بقي في المحل عاد يكمل ما كان يفعله. مدينة الخليل انقسمت إلى جزأين، المدينة القديمة المحيطة بجامع خليل الرحمن حيث مثواه ومجموعة من أبنائه وزوجته، والمدينة الجديدة المتفرعة من المدينة القديمة، الميدان الرئيسي للمدينة الحديثة مزدحم، تقف عربات الخضر والفواكه على الأرصفة كيفما اتفق. سوى الجيش الصهيوني السوق القديمة بالأرض، ارفع عينيك من الزحام ترى آثار القنابل والنيران على المباني المحيطة، ثقب واسع في جدار مكتب جريدة الأيام، تلال من الطوب، الزجاج المكسور ، علامات الحريق، ارفع عينيك إلى أعلى ترى الجيش الإسرائيلي متمترسا وراء أجولة الرمال على أسقف البيوت، مدافعهم مصوبة نحو المارة، “ ١٢ طنا من الأجهزة وضعوها على سقف بيتي” يقول رجل : “ ويقضون حاجتهم في خزان المياه “ ، يؤدي شارع الشهداء إلى المدينة القديمة ، الشارع خال، محلاته مغلقة، في نهايته حواجز اسمنتية ، يصوب جندي إسرائيلي رشاشه إلينا من حيث يقف خلف المباني، مرشدنا يمسك بيدي، لنعد، “صار في طخ اليوم”. وصل عوض، يرتدي خوذة وسترة واقية، يحمل كاميراته ، يعمل مراسلا لوكالة الأنباء الفرنسية، تبعناه خلف الحواجز و خلف المبنى، أريد دخول الجامع الإبراهيمي، نمر بجنود اسرائيليين ، هناك يقف صحفي وثلاثة مصورين فلسطينيين، نجري للاحتماء بهم من الجنود، يجري نحونا ثلاثة من الجنود، يتمترسون خلف حاجز قريب، يصوبون رشاشاتهم، لو أمد يدي ألمس ظهورهم. بعد لحظة يصطدم حجر بأحد الحواجز، طفل فلسطيني يركض عبر الشارع، انطلقت رصاصة صهيونية دويها هائل، تتكرر هذه الأفعال ست مرات خلال ساعة. رفض السائق والمرافق أن أدخل المدينة القديمة ، ظهر رجل مهيب ، يظهران له الاحترام، كان الصحفي مازن دعنه، جرح قبل ذلك في خمس حوادث مختلفة، “ خذوها يا شباب، هذا واجبكم، عندكم سيارة برخصة اسرائيلية، وهي جوازها بريطاني”. ندخل المدينة من طريق خلفي، هنا أربعون ألف إنسان يعيشون تحت حظر التجول، ١٢ ألف طفل لن يستطيعوا الذهاب للمدرسة حتى يُرفع حظر التجول، ١٥ مسجدا مغلقا، كل هذه الاستحكامات من أجل ٤٠٠ مستوطن يعيشون في وسط المدينة، طردوا عائلات من بيوتها، لا زالت بعض هذه العائلات تجلس إلى جانب بيوتها، المستوطنون يلقون عليهم القاذورات، أيضا هؤلاء ليسوا مستوطنين حقيقيين، معظمهم طلبة من أمريكا يأتون للالتحاق بالمعهد الديني، وللقيام بواجبات دينية تستغرق يوما أو يومين. المدينة رائعة الجمال، تستند البيوت على بعضها ، سقف بيت هو فناء بيت آخر. ينطلق صوت من خلال مكبر الصوت “ يا أهل الخليل، حذار من خرق منع التجول “، تقف سيارة أجرة صفراء، مائلة إلى جانبها، تخرج منها سيدة تحمل طفلا، ينزل السائق يخاطبنا : هذه السيدة خارجة بابنها من المستشفى ومعها الطفل، أوصلتها ، انظروا إلى ما فعلوا بي، مزق الجندى إطاري عجلتين بيمينه، عندي عجل احتياطي آخر، كيف أجد عجلا آخر مع منع التحول. استغرقت الزيارة ستة أيام، جًمعت المقالات في هذا الكتاب، الذي تضمن مقالات أخرى عن أحداث سبتمبر ثم غزو أمريكا لأفغانستان وللعراق، تفوق أسلوب الرواية، لكن التحليل السياسي حضر بقوة، قالت مجلة لندن ريفيو أوف بوكس “ أهداف سويف محللة سياسية من الطراز الأول”.