سمعت بالدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين ونشاطه واهتمامه بتحقيق المخطوطات واتاحتها للباحثين، وطوال عمله بجامعة أم القرى بمكة المكرمة عضو هيئة التدريس، محل تقدير واحترام بين طلبته وزملائه وقاصدي الاطلاع على المخطوطات التي حققها والذي يعمل على تحقيقها، حتى تقاعده وعودته للاستقرار بمسقط رأسه عنيزة في السنوات الأخيرة من عمره. حضرت له لقاء بمركز الشيخ حمد الجاسر بالرياض حدود عام 1433هـ 2012م واللقاء الأخير بمنزله بعنيزة مع عدد من ضيوف المهرجان الثقافي لمركز صالح بن صالح عام 2013 في جلسته اليومية بين صلاتي المغرب والعشاء، وكان رغم معاناته يتحدث ويشارك وهو على فراش المرض. والآن وقد مر على وفاته رحمه الله أكثر من عشر سنوات، ولما تحدث عنه زميله الدكتور عثمان بن محمود الصيني في كتابه الأخير (سيرة من رأى) ط1، 2025 الصادر من نادي الطائف الأدبي . مما شجعني على الكتابة عنه ضمن (أعلام في الظل) قال انه رافقه إلى خزائن الكتب في الدول العربية وغير العربية لتصوير النسخ المخطوطة في خزائن المخطوطات بمصر وتركيا والمغرب وغيرها.. وقال: «.. وسيرة الدكتور العثيمين تستحق أن تروى، مع أنه ناله الكثير من الغمط وعدم التقدير، فلم يكن مجرد باحث أكاديمي في جامعة أم القرى أو محققاً للمخطوطات في زمن هجمة الناس على التحقيق بعلم أو بغير علم... وكان مع علمه زاهداً في المناصب والدرجات العلمية، وظل حتى تقاعده أستاذاً مساعداً وحاول محبوه وأصدقاؤه وتلاميذه دفعه إلى أن يتقدم للترقية... ولكنه ظل على موقفه وبقي استاذاً مساعداً..» وقال وهو يصف مجلسه بمنزله بعوالي مكة: «.. وببساطة أبي سليمان وكرمه تجدهما واضحين ساطعين إذا دخلت منزله بعوالي مكة، ففي ملحق البيت بالساحة الخارجية ترى جزءاً من مكتبته وكتبه يستقبل فيه الزوار وطلاب العلم من مختلف الجنسيات تدخل وكأنك تجلس في بطون الكتب والمخطوطات، أينما يممت بصرك أو وضعت يدك لا تقع إلا على كتاب نادر أو حديث لم يجف حبره بعد وصل إلى أبي سليمان، أو مصورة لمخطوطة على ورق وأشرطة الميكروفيلم للمخطوطات المصورة، أو أوراق مكدسة هنا وهناك محزمة بخيوط الدوبارة، وفي الطرف الآخر من ساحة البيت غنيمات يربيها أبو سليمان ويتعهدها، ومجلسه العامر داخل البيت لا يكاد يخلو من الضيوف، وبين أضلاع هذا المثلث يتحرك أبو سليمان ببساطته وحفاوته وخفة روحه الساخرة حتى انتقل إلى عنيزة ثم إلى الرفيق الأعلى رحمه الله وجزاه خير الجزاء لقاء ما قدم للعلم وطلابه» ص 261 وفي اتصال هاتفي مع الدكتور عثمان الصيني بعد أن قرأت كتابه، وجرى الحديث عن العثيمين قال: «إنه لم يقدر التقدير الذي يستحقه.. وأنه زاهد متبتل وعالم حقيقي.. وقال إنه يعرف كثيراً ممن يأتون إليه من تلامذته وطلابه من مختلف الجهات وهو لا يبخل عليهم برأي أو بعلم ولا بمخطوط لديه، وكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه التي نوقشت في كثير من الجامعات خرجت أصولها من اقتراحات الدكتور عبد الرحمن وأحياناً من صور المخطوطات التي صورها من مكتبات العالم المختلفة التي رافقته في بعضها..» 19/ 10/ 2025 وفي اتصال بابنه سليمان مع الصديق إبراهيم التركي قال: «ولد في مدينة عنيزة عام 1365هـ تلقى تعليمه بالمعهد العلمي بعنيزة ثم لاحقاً بالرياض، عمل في بداياته بالتدريس في جدة، ثم بعد حصوله على رسالة الماجستير عام 1396هـ 1976م ثم الدكتوراه عام 1402هـ 1982م انتقل للعمل أستاذاً في جامعة أم القرى بمكة. له العديد من الرحلات العلمية في الداخل والخارج خصوصاً فيما يتعلق بالمخطوطات والبحث العلمي. من أعماله: تحقيق (الذيل على طبقات الحنابلة) و(السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة). كان منصرفاً للعلم وطلابه معتدلاً في منهجه متواضعاً. وكان له مجلس أسبوعي في مكة يستقبل فيه طلاب العلم كل يوم سبت، وحينما انتقل إلى عنيزة أصبح المجلس يومياً بعد صلاة المغرب حتى العشاء، توفي رحمه الله في 29 صفر 1436هـ الموافق 23 ديسمبر 2014م.» ويذكر الدكتور إبراهيم التركي أنه عاد لعنيزة بعد بلوغه الستين من عمره وتقاعده من العمل بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، إذ لم يطلب التمديد كغيره، وبقي بعنيزة قرابة عشر السنوات تخللتها فترة محدودة سافر للعلاج بألمانيا، وخلال بقائه بمسقط رأسه كان يلتقي بزواره ومحبيه يومياً بين صلاتي المغرب والعشاء، وقد بنى ملحقاً بجوار المجلس خصصه للمكتبة وكان مبتهجاً وسعيداً بما أنجز، ولكن المرض لم يلبث أن داهمه وأقعده، وبقي على فراشه بالمجلس يستقبل زواره كالمعتاد، وكان يزور أصدقاءه بمنازلهم ومنهم الأستاذ عبد الرحمن التركي العمرو رغم معاناته وتنقلاته على كرسي متحرك. قال عنه الدكتور محمد المرعول بعد استعراضه لسيرته العلمية: «يعد فارساً من فرسان الثقافة والأدب وهو الأديب النحوي البارع وفي عام 1434هـ وكان عائداً من رحلة علاج من ألمانيا والتقيته في عنيزة فبرغم مرضه إلا أنه بقي كما هو محباً للعلم وشغوفاً به وبأخباره مع ما يمر به من ظروف صحية صعبة .. لم يكن الشيخ متكلفاً في لباسه ولا حديثه ولا مجلسه ولا ضيافته وكان مجلساً مريحاً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى يرحب بمن يقصده كبيراً كان أو صغيراً ولا أذكر أنه جرح أحداً في مجلسه… رثاه معالي الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد تحت عنوان: (عمدة أهل الحق) بعد تقديم واستعراض واف قال: «.. أما التراث فهو الباعث لمكنوزه والراد للعبث عن مكنونه، خبير محرر بالعبارة والاشارة، يهتدي به إلى عويص المظان، قال الطناحي لأحد طلابه الذي عانى من البحث عن مخطوط: إذا قال لك العثيمين إنه لا يعرف المخطوط فلا تبحث عنه. وقال المحقق محمود شاكر: عقل العثيمين هو الكومبيوتر وقد كان الناس حديثي العهد بهذه الآلة العجيبة. من خصائص الدكتور عبد الرحمن - رحمه الله - اللطافة والطرافة، فهو من أهلها ويستعملها في محلها، يجمل ذلك البساطة في المظهر والعفوية في الحديث وعدم التكلف في الاستقبال. له مواقف متعددة تشهد بحضوره الطاغي، وتداول فوائده وفرائده على موائد الكبار من العلماء المحققين، من أمثال محمود شاكر، وحمد الجاسر؛ الذي كان يدنيه ليجلس بجواره قائلاً: إن من يحضر عندي يستفيد مني، أما العثيمين فإنني أستفيد منه.. إن الحديث عن أبي سليمان - رحمه الله - يطول، فهو رحالة علمية ومحقق مخالط له حفاوة ومكانة في تخصصه، وهو من نوادر المحققين الكبار، الذي يستوجب على المؤسسات العلمية العناية بتركته العلمية اهتماماً ونشراً، كما يجب على طلابه ومن له تواصل علمي بيان منهجه في الدراسة والتحقيق للتراث الإسلامي. ومن حق أبي سليمان أن يحفظ حقه، ويقدر له علمه وفضله..» وعن مجلسه الأسبوعي يتحدث الدكتور علي بن محمد العمران: «.. كان يرتاد تلك المجالس (السبتية) ثلة من طلبة العلم، بعضهم من طلاب الشيخ، وأكثرهم من محبي العلم على اختلاف تخصصاتهم وبلدانهم.. وكان غالبهم في ذلك الحين من طلبة الماجستير والدكتوراه... يستقبل الشيخ زواره بترحاب لطيف ولسان عذب وابتسامة غير متكلفة… ينتقل الشيخ من موضوع إلى آخر ومن قصة إلى رحلة ومن معلومة إلى طرفة، يتخلص في كل ذلك ببراعة ودون تكلف، ينوع الحديث من العلم إلى الطرفة ومن الجد إلى الإحماض، إما لمناسبة الموضوع الذي هو بسبيله أو بسبب سؤال سائل أو مداخلة آخر. يبهرك الشيخ بكثرة محفوظه من القصص والأخبار، ومن الشعر العربي (أو النبطي ولم يكن يكثر منه) ويسرده سرداً لطيفاً محبباً ... الخ. ترجم له أحمد سعيد بن سلم في (موسوعة الأدباء والكتاب السعوديين خلال مائة عام) وذكر في مؤلفاته: 1- المقصد الأرشد في طبقات أصحاب الإمام أحمد، برهان الدين بن معلم. وقد اعتمد المحقق على ثلاث نسخ. 2- الجوهر النضير في طبقات متأخري أصحاب أحمد - تأليف الإمام ابن المبرد المتوفى عام 909هـ وقد قام الدكتور العثيمين بتحقيق نصوص الكتاب، قدم له وعلق عليه. وهذه أول مرة ينشر فيها هذا الكتاب، وقد اعتمد المحقق على نسخة خطية وحيدة محفوظة في المكتبة المركزية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. رحمه الله هذا العالم الجليل واسكنه فسيح جناته.