اضطراب الوعي في فضاءات التواصل الاجتماعي.

تسود مواقع التواصل الاجتماعي اليوم حالة من اضطراب الوعي المتزايد، فمن يتأمل ما يجري فيها من تراشق وجدالات عبثية، يلحظ كيف تحولت المنصات من فضاءٍ للحوار والتقارب إلى ساحة صراعٍ مفتوحة لا يخرج منها أحد منتصرًا، سوى تكريس فكرة التفرقة والتحزب الأعمى. وإيغار صدور المجموعات على بعضها البعض. نقاشات لا تنتهي في شتى المجالات، ومواقف تتبدل كما تتبدل الألوان على الشاشات، إيماءات بالتخوين والتآمر لأفراد وجماعات، وتنابز بالألقاب واختلافات تفسد الود، وتنسف كل قضية كان يمكن أن تكون عامل وحدة ومشترك إنساني. يتقدم هذا المشهد ويغذيه أشباح التواصل الاجتماعي الذين يختبئون خلف معرفات وهمية — وأحيانًا بأسمائهم الحقيقية — يسكبون الزيت على النار، في محاولات مستميتة لتشويه كل نجاح أو مشروع مستقبلي برسائل موجهة، تصاغ بعناية لغسل العقول وقلب الحقائق. تغيب عنها الحيادية وتتلاشى الموضوعية، يجد أصحاب الأهواء والمصالح المشبوهة فيها أرضًا خصبة لبث أفكارهم وأحقادهم في بعض العقول الرخوة والمغيبة، وتشكيل قطعان إلكترونية تردد كل ما يقال دون وعيٍ أو تمحيص، تصفق وتسبّح بحمد كل تغريدة تصادف هوى في نفسها. تتساءل — وأنت تتابع هذا السيل من الانتقادات والهجمات —: هل ما يجري مجرد اختلاف آراء بريء، أم أنه حسد دفين من نجاحاتٍ وطنيةٍ تتلألأ بشموخ رغم الضجيج من حولها؟ وكيف يهاجم البعض أي إنجاز سعودي أو مشروع تنموي حتى قبل أن يكتمل او يرى النور؟ ويترك او يتغاضى عن مناقشة قضايا بلده  أهو خوف من النموذج الذي تقدمه المملكة، أم ضيق صدرٍ بمن يمد يده بالخير ولا يُقابل إلا بالجحود؟ حتى غدت غرابيل الحقد ومزامير ناكري الجميل تتردد في فضاءات التواصل بشكلٍ ممجوج وممل، وكادت تفقد الناس ثقتهم في الكلمة والرأي. لكن الوعي الحقيقي والعمل الجاد والمستقبلي لا يُغطى بغربال منشور حاقد، والوطن الذي يصنع الإنجاز لن يلتفت لصدى عبارات وآراء حاقدة، بل يزداد حضورًا كلما علا ضجيج تلك المنصات. وبرغم هذا الضجيج الإلكتروني، يبقى الوعي هو السلاح الأقوى في وجه كل هذا التلويث المقصود للعقول. فالكلمة الصادقة لا تحتاج إلى جيشٍ من المصفقين، والأفكار والمشاريع المبتكرة لا تُطفئها حملات التشويه كلما تحقق جزء من مسيرتها التنموية ، بل تزداد بريقاً كلما حاول الحاقدون التقليل منها . وعلى المجتمعات أن تدرك أن معارك المنصات ليست سوى حروب وهمية، يقودها الخونة ووقودها الحقد والجهل والتعصب، وضحاياها العقول الساذجة المغسولة والمؤدلجة . ضد وعي حقيقي، يسير بثباتٍ نحو البناء والإنجاز، لا يلتفت إلى صراخ الحاقدين ولا إلى تغريداتهم المكررة. فالأوطان لا تُقاس بكمية الأصوات التي تنتقدها، بل بالمنجزات النوعية التي ندهش بها العالم. ونحن نمضي بثقة في طريقنا نحو التحول والتمكين واستشراف مستقبلنا بسواعد أبنائنا وشركائنا وبقيادة عراب رؤيتها، لا نحتاج إلى شهادة من أحد، لأن نجاح رؤيتنا أصبح واقعًا يراه الجميع، حتى أولئك الذين يتظاهرون بالعمى، سيأتي يوم — وهو قريب بإذن الله تعالى — تتبدد فيه هذه الغشاوات، ويكتشف الناس أن الحقيقة لا تُقال في عناوين التغريدات، بل تُكتب في سجلات الإنجازات التاريخية وعلى أرض الجغرافيا بحروف المستقبل وبأفعال وعزم الرجال، ولا نلتفت للأصوات الناعقة من حولنا.