كُحل الفجر .
قبل أن تنتفخ صدور الديكة. نُطير الملاءات. ركضُنا يشق الزقاق. الغَمَصُ لم يذهب بعدُ. نرمي سفننا في السواقي النائمة، فيسيح كُحل الأحلام.. بين النخيل. تنتظر عِصيُّنا. البهائم. تنتظر زعيقنا كهوف الجبل وسفوحه. ينتظرنا خبز التنور المحمرُّ. وحليب الزعفران.. في الفجر. من فحم القدور الكبيرة، في الأعراس، المآتم. تلوَّنت وجوهنا. خلقنا بالفحم حكاياتنا على جدران الطين. وأسماء الأمهات المحرَّمة. دققنا أجراس البيوت وطاردتنا اللعناتُ. طاردنا نعال الأم طوال حياتنا. طاردتنا غترة الأب.. الهائل، ومشموم الجدَّة. وأخافتنا أسنانها. وعينها البيضاء. طاردتنا يد الجد. قبل أن يجلس. قبل أن.. ترتجف يده. قبل أن يتضاءل. الجد. لا الزمن. كانت الأبواب زجاجية، ملونة. الشبابيك خشبية. قصار سور عبدالباسط، تطير من الشبابيك. من تلك الشبابيك طاردتنا المآتم. طاردتنا بحَّة حمزة الزغيَّر”يمَّه ذكريني”وحسرات “ابن فايز” ونهنهة الأم وهي في سكرة الطبيخ. أكلنا ما اختلط بدموعهنَّ وبحَّة مآتمهنَّ الأزلية. المآتم لبان الأمهات، وزينتهنَّ. خبزتنا الأمهات مع خبزهن، وأدرننا تحت مطاحنهن. أمهاتنا.. النادبات، المتلفعات بالسواد. يعُدن بمشمومهن من الفواتح والمآتم، الأولاد لا يذهبون للفواتح، الفواتح للطَّامات الحزانى، لعاشقات الدموع. -لم تعد الأمهات يُجِدن لعبة إيجاد الأشياء. صرنا نرمي الأشياء قربهنَّ ونندهش.. لرؤيتها. في تلك الأيام، توجَّعنا.. توجَّعنا، بما فعلناه في البهائم، لا بما فعلنا في جدائل الفتيات. شددنا جدائلهن، وعلى دراريعهن رمينا الفزع وهربنا. لم نهرب بعيدًا، كان انتقامهنَّ قاسيًا ومُذلًا. تلك الأيام، انفطرت القلوب وشهقت الأعين. تلك الجدائل التي حُرِّمت علينا، التي زينها الياسمين وكبُرت. تلك الأيام، فرَّخت أيامها فينا وصارت أيامًا كثيرة، صرنا أيامًا تتقاذفها الفناجين. *شاعر سعودي من المنطقة الشرقية.