شهادات من قلب التجربة عن غياب دورها الثقافي..

الإذاعـــــة السعوديـــــة فـــي مفتـــرق الطــرق.

اليمامة- خاص من بين الوسائط التي عرفها الإعلام السعودي، ظلّت الإذاعة الأقرب إلى الناس، والأقدر على ملامسة تفاصيلهم اليومية. لم تكن مجرد وسيلة للبث، بل سجلًا حيًا لحياة مجتمعٍ يتغيّر، وثقافةٍ تنمو، وأصواتٍ حملت عبر الأثير ملامح الوطن وملامح الإنسان. لكن تلك الذاكرة الصوتية التي صنعت وجدان أجيالٍ من المستمعين، تعاني اليوم حالة من الخفوت، بعد أن تراجعت مكانة الإذاعة الرسمية وتقلّص حضورها أمام الوسائط الجديدة، بل غابت عنها الدراما، وتوارت البرامج الثقافية التي ميّزت تاريخها. واليوم، مع القيادة الجديدة لهيئة الإذاعة والتلفزيون، تتجه الأنظار إلى «الإذاعة السعودية» مجددًا، بحثًا عن تجديد هويتها واستعادة دورها الريادي في نشر الثقافة والفكر والفنون. وفي هذا التحقيق، تستمع اليمامة إلى صوتين من جيلٍ إذاعيٍّ أصيل، شاركا في صناعة مجد الأثير السعودي، ليقدّما رؤيتهما حول ما أصاب الإذاعة من تراجع، وما الذي يمكن أن يعيدها إلى موقعها الطبيعي في المشهد الإعلامي والثقافي. ما الذي أضعف الإذاعة السعودية بعد عقودٍ من الريادة؟ وكيف يمكن أن تستعيد حضورها وتأثيرها في زمنٍ تتغيّر فيه الوسائل وتتجدّد فيه الرسائل. إعادة الروح إلى الإذاعة السعودية.. مهمة القيادة الجديدة. لاشك أن الإذاعة السعودية كانت منبرًا مهمًا لدعم أدب وثقافة وفنون وتراث المملكة منذ تأسيسها وعلى مدى عقود من الزمن كانت صوتنا محليًا ودوليًا أبرزت خلاله الإبداعات السعودية شعرًا وقصة وفكرًا وعلمًا وثقافة وموسيقى وغناء ودراما بالفصحى واللهجة ومسرحًا وتراثًا وفلكلورا من مناطق المملكة المختلفة. ولكن الإذاعة تعرضت للتهميش من الوزارة ثم من الهيئة شيئًا فشيئا منذ انطلاق التلفزيون إلى أن وصل ذلك إلى ذروته العقدين الماضيين لأسباب عديدة منها: *ضعف الدعم المالي للإنتاج الإذاعي برامجيًا ودراميًا . *تقاعد المذيعين والمعدين والمحررين. *الاستغناء عن المذيعين المتعاونين. *عدم استقطاب كفاءات جديدة متميزة. *ضعف الإعداد. *التركيز على برامج الهواء الجماهيرية المفتوحة. *عدم استقطاب المعدين ذوي الكفاءة من خارج الإذاعة. *ضعف لغة وثقافة معظم المذيعين. وأسباب أخرى إدارية وفنية وإعلامية. ولكي تعود الإذاعة للقيام بأدوارها المختلفة لمواكبة التطور الإعلامي ورؤية المملكة 2030 لابد من إعادة النظر في وضع الإذاعة ورسم سياسة جديدة مدعومة ماليًا وإداريًا وبشريًا، وأن يتم استقطاب الكفاءات المتميزة من خارج الاذاعة في مجالات الادب والثقافة والفنون لإعداد البرامج بمكافآت مغرية. أن يتم الاستعانة بالمذيعين المتميزين المتقاعدين والقادرين على العمل بمكافآت جيدة، والبحث عن الاصوات الجيدة والمتمكنة لغويًا من خريجي الجامعات السعودية للعمل الاذاعي بعد تدريبهم. ودعم الدراما الإذاعية وتمويلها بالشكل المناسب. دعم المواهب والمبدعين الشباب في الادب والفنون المختلفة من خلال مسرح الاذاعة ويمكن أن يتنقل في مناطق المملكة. عمل اتفاقيات شراكة مع هيئات وزارة الثقافة المختلفة. تفعيل التعاون مع المؤسسات والجمعيات والنوادي الاهلية المهتمة بالأدب والثقافة والإعلام والفنون. الاستفادة من الارشيف الضخم في الاذاعة بالأشكال الإذاعية الممكنة. ولعل تكليف الأستاذ علي الزيد برئاسة هيئة الإذاعة والتلفزيون يحرك الساكن ويعيد للإذاعة أهميتها وأدوارها الرائدة في خدمة الأدب والثقافة والفنون. *مستشار ثقافي واعلامي الإذاعة غيرت هويتها وتخلت عن مستمعيها! أتيح للاذاعة في تاريخها مالم يتح لغيرها، حيث لها السبق في رصد الكثير من جوانب حياتنا باحداثها الثقافية والاجتماعية والتنموية وفي كل المجالات من خلال رصد او تغطيات أو لقاءات مع الاعلام الذين تحدثوا في تلك الايام عن رؤى وطموحات وآراء... بعضها تغير وبعضها تكرس، وما يجمعها ان تلك المواد الاذاعية جديرة بالحفظ وإعادة اذاعتها خصوصاً الثقافية والفنية منها ولقاءات مع أعلام تلك الفترة. وعندما تغيرت حياتنا تغيرت الاذاعة مع تلك المتغيرات ولم تكن فقط التسجيل والتوثيق بل كانت التعليم والترفيه والتثقيف والتوعية، بل وايصال التعليمات والتوصيات، عبر الاثير. المجتمع يكن الكثير من المحبة والتقدير لتلك الوسيلة الاعلامية التي كانت تصاحبه في الصباح والمساء.. في البيت والمكتب والمقاهي والمحلات التجارية، بل في الحقل والخيمة والقرية والهجرة. هذا لعامة أفراد المجتمع، اما المثقفون وصفوة المجتمع فكانت تلبي شغفهم بالمعرفة واشاعة الثقافة والأدب ، والمعرفة بالصحة والوقاية وما إلي ذلك. عقود مرت على الاذاعة وهي في صدر المشهد اعلامياَ وثقافياَ واجتماعياَ. وقد صمدت الاذاعة وبقيت وسيلة سهلة واقتصادية ومتاحة في كل وقت وفي كل مكان ولم تتراجع بحد ذاتها طيلة عقود طوال مرت عليها رغم ظهور البدائل والتنافس القوي. لكنها في السنوات الاخيرة تراجعت،، ليس فقط من طبائع الامور والتطورات، ولكن بسبب اهمالها وعدم تقديم الدعم اليسير الذي لا تحتاح لأكثر منه لتستمر وسيلة حية. صحيح ان الاذاعة اليوم ليست مثل الأمس ولن تكون، ولكن الأصح ان تراجعها الطبيعي ليس بهذا القدر الذي نشهده اليوم. إن التهميش الذي تعانيه الاذاعة وقلة الدعم جعل التراجع أضعاف ما كان طبيعياَ. لقد اختفت الدراما الاذاعية في أوجه عطائها، وتم تهميش مكتبة الاذاعة من جدول البث اليومي في هيكل البرامج، وكأن اذاعة أغنية قديمة تخالج الوجدان شئ من الرجعية أو التأخر. الاذاعة وسيلة اقتصادية لا تتطلب ضخ الكثير من الأموال.. ونتاجها عظيم أضعاف ما يصرف عليها. إنني وغيري كثيرون من أبناء المجتمع، نتطلع إلى مبادرة من رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون،الذي عايش وعاصر وتنقل بين أكثر من وسيلة اعلامية، بأن يلتفت إلى الاذاعة الرسمية التي فقدت هويتها، وأصبحت بعض قنواتها تقليداً ممسوخاَ للاذاعات الخاصة. هاهي إذاعة القرآن الكريم الآن في أوج تألقها وشعبيتها،بينما غيرها يواجه انحساراً رغم الانفتاح! وفي ذلك دليل على أن المتلقي لم يترك الاذاعة بل هي التي غيرت هويتها وضحت بمستمعها التقليدي من أجل متابع مجهول. اعيدوا للإذاعة شيئاَ من رونقها، فهي تاريخنا المسموع ورفيق تنمية بلادنا، بشئ من الاهتمام، وشئ من الدعم وبسواعد الشباب ، سيعود اثيرنا إلى التألق. *اعلامي، وخبير إذاعي