عن كتاب «ما وراء الأغلفة، روائع القرن العشرين»..

إبراهيم زولي يعيد إلى الذاكرة صخب النقاشات الأولى.

وأنا أفتح مغلف كتاب “ما وراء الأغلفة، روائع القرن العشرين” للصديق ورفيق الدرب أ.إبراهيم زولي، ولحظة مصافحة عيني لخط يده المميز جدا الذي كتب به إهداءه الكريم، تداعت أشياء كثيرة من الذاكرة. هذا الخط الأثير ذو الخصوصية في رسم حروفه ،حيث إبراهيم يكتب خلاف معظمنا بيسراه المميزة، عاد بي خطه لعشرات أوراق العمل والقصائد والرسائل التي طالما تبادلناها بخط اليد، قبل أن نعرف أجهزة الحاسوب والجوالات التي ساوت كل ملامح الخطوط؛ فلم تعد للأحبار متعة لوثاتها الأولى، ولا لأشكال الخطوط ملامح تمايزها.. اجتزت الإهداء إلى متن الكتاب بداية من المقدمة، أقرأ وعبثا أحاول تحييد صورة إبراهيم المنطبعة في ذهني منذ بداية التعلق بالكتب والشغف بها، أجهد في تنحية طريقته في رسم محبته وتعلقه الشديد بما يتحدث عنه بكل ملامح جسده، وجهه، عينيه، يديه، نبرات صوته… وكأنه يتحدث عن نفسه ، وليس عن آخر سواء أكان كتاباً أم مؤلفاً أديبا شاعرا أم ساردا أم ناقداً أم مفكرا. لماذا اختار زولي هذه الكتب ؟! يجيب في مقدمته: “لنستكشف معا كيف شكلت هذه الأعمال وعي العالم، وكيف لا تزال تتردد أصداؤها في أذهاننا حتى اليوم، لماذا هذه الأعمال بالذات وما الذي يجعلها تستحق القراءة، لانها ليست مجرد كتب بل هي نوافذ مفتوحة، على عوالم مختلفة، وجسور تربط بين الشرق والغرب والأدب والفلسفة، والفرد والمجتمع، والحلم والواقع” من ثم ابتدأ يسرد “زولي” بعض هذه الكتب في مقدمته بإشارات لماحة. أما متن الكتاب فقد استهله بكتاب “تفسير الأحلام” لفرويد، فرواية “الأم” لمكسيم جوركي، و”زينب” لهيكل، لتتوالى وقفاته أمام باقي الكتب الثلاثين المتنوعة رواية، وشعرا،ونقدا، وفكرا، وفلسفة.. يعطي لمحة عن الكتاب وأهميته والجوانب المؤثرة من محتواه، وسيرة الكاتب، وأصداء العمل وقيمته. حاول إبراهيم أن يقدم موازنة داخل هذه القائمة محليا وعربيا وعالميا. طيلة استمتاعي بالكتاب، لم أستطع تحييد ذاكرتي أثناء القراءة. فهو يتحدث عن كتب يعيدنا معها إلى لحظات الفرح والبهجة بوصولها إلى أيدينا، ولكل منها قصص وأطياف ذكريات أثناء قراءتها الأولى.. فالكثير من هذه الكتب طالما تحدثنا عنها وتبادلناها وعدد منها لم يكن متوفرا لنا في أصله الذي خرج به من مطبعته.. بل نسخته المصورة في تلك الفترة حين كان العثور على النسخة منها بمثابة العثور على كنز. وأجزم أن تخوف إبراهيم من تضخم الكتاب هو ما دفعه إلى تقليص القائمة إلى الكتب الأكثر أهمية وتأثيرا فوصل الكتاب إلى 167 صفحة. وإلا فثمة كتب مهمة ومرتبطة بتشكلنا ووجداننا وقد يكون هذا هو الباعث الرئيس الذي حرض “زولي” على إخراج هذا الكتاب. مازلت استحضر صخب النقاشات عنها مما احتواه كتاب زولي وما لم يتسع له متن كتابه. منها دواوين دار العودة ذات الأغلفة المجلدة الحمراء، ودواوين محمود درويش، وسعدي يوسف، وأمل دنقل، ووديع سعادة، و”رياح المواقع” للدميني و”التضاريس” للثبيتي، ودواوين سيف الرحبي، وقاسم حداد، والجواهري، والبردوني، وأعمال “لوركا” وروايات “ا لبحث عن وليد مسعود” و”سمرقند وليون الإفريقي” و”حين تركنا الجسر”، وجسر على نهر دارينا، و”داغستان بلدي” وروايات “العطر” و”الحمامة” و”الفراشة” و”الحب في زمن الكوليرا” وروايات دوستوفيسكي “الإخوة كرامازوف” و”الجريمة والعقاب” وسلسة “تكوين العقل العربي” للجابري، ومراجعات جورج طرابيشي لها، و”نزعة الأنسنة في الفكر العربي لمحمد أركون” وغيرها. لا أدري لم أعادني كتاب الصديق إبراهيم زولي الأخير هذا إلى كل هذه الذكريات مع الكتب. وكأنه أعاد بث الحياة فيها منذ أن ظلت محنطة في ممرات الذاكرة. حتى لحظة فتحي للظرف الذي احتوى نسختي أعادتني لتلك اللحظات التي استقبلنا فيها أول كتبنا ولامسناها؛ وكأنها أجنة تتحرك بين أيدينا بصرخات استهلالها وأفواهنا التي ظلت مفتوحة محتفظة بالدهشة الأولى..