السريحي… قامة تُشفى بالمحبة.
حين يذكر الأدب السعودي الحديث يبرز اسم الدكتور سعيد السريحي واحدا من كبار صناع الوعي النقدي ورواد اللغة المتجددة فهو من تلك القامات التي لا يمر حضورها في المشهد الثقافي مرورا عابرا بل يترك أثرا يشبه ضوءا يمتد في الذاكرة كلما حضر صوته أو كتبه. هو ناقد وكاتب وشاعر وإعلامي وصوت ظل لسنوات طويلة يرفد الساحة الفكرية برؤى عميقة وبقلم قادر على إعادة تشكيل الأسئلة وإحياء اللغة دون أن يفقد رصانته وهدوءه. يمتلك السريحي قدرة على الجمع بين الفكر والسرد وبين جماليات اللغة وصرامة التحليل فجعل من النقد مساحة للتأمل لا للهدم ومن الكتابة جسرا يصل القارئ إلى مناطق أبعد من النص وأقرب إلى المعنى. عرفته الصحافة والجامعات والمنتديات الثقافية بوصفه مثقفا واسع الأفق قارئا لما خلف الكلمات ومتفهما لما وراء البنية الظاهرة للنصوص وهو في كل ذلك يقدم معرفة تتقدمها أخلاق عالم ومهابة شاعر. وعلى المستوى الشخصي اكتشفت خلال عملي معه في الأقسام المتخصصة أن السريحي لا يقرأ الأدب فقط بل يقرأ الفنون كلها بعين ناقد بصري يقف أمام اللوحات كما يقف أمام القصائد يتأمل اللون وخطوطه ويصغي لإيقاع العمل الفني كأنما يصغي لقصيدة تتشكل أمامه. ويمتد حسه الجمالي إلى الموسيقى التي يتذوقها بوعي شاعر يدرك تفاصيلها وروحها ويمنحها مكانها الحقيقي في عالم الذائقة. ومن بين ما غرسه في عملي الصحفي ذلك الحس الرفيع بصناعة العنوان ومدخل المادة إذ كان يعلمني أن العنوان ليس كلمة بل بصمة وأن بداية النص وعد للقارئ بما سيأتي بعده وأن أول جملة في النص هي البوابة الذهبية التي تحدد مستوى ما بعدها. واليوم نقف بمحبة ودعاء صادق نسأل الله ان يمن عليه بالشفاء وان يلبسه ثوب العافية وان يعيده إلى قرائه ومحبيه وهو أكثر قوة ونورا وان يجعل ما اصابه رفعة في مقامه وزيادة في اجره. فسلامة السريحي ليست شأنا شخصيا بل قيمة ثقافية لأن حضوره يمنح المشهد اتزانه وصوته يعيد للمعنى هيبته وللنقد مكانته وللجمال لغته. سلامتك يا دكتور سعيد فالمحبة التي تحيط بك كفيلة بأن تعيدك إلى صحتك كما كنت ضوءا لا ينطفئ. * صحيفة عكاظ