حارس التراث.
لم يكن يتوقع أن فانوسَ الحكايات التي كانت تفركهُ الجدَّة كل مساء لملئ الوقت ِستُنسَجُ منه الحكايةُ الأكبرُ كمشروع حياة ابتدأتْ إرهاصاته واشتدَّ عودُها على خشبة المسارح ولم ينته به المطاف على مسرح الحياة بجناحيه الحِكائِي، والبحثي للوصول لطفولة الحكايةِ ودلالاتها، فهو من ضرب بمعول يراعه صخرة التراث لينبجس بين يديه ما كان حبيسا في قبضتها إلا ما نزَّ منها فترطبتْ به شفاهٌ عبْرَ احتفالات يتجلى فيها كفلكلور شعبي في مناسبات لم يعد لها مكان غير جدران ذاكرةِ من عاصروها. ولولا هذه اللفتة المحسوبة منه لكنستْ رياحُ النسيان أيَّ أثرٍ لها مع هذه المشوشات الحضارية، من خلال بحثه النشط وأعادته تدوير تراث ثري ظل حبيس أروقة ذاكرة المهتمين ممن عاصر هذا التراث وحمله كذاكرة شفهية، عاملا بجهد على استنقاذه من آباره الراكدة وصبه في ذاكرة الورق خاصة أن بعض رواته من كبار السن. لهذا سمعتُ منه أكثر من مرة عن تقصَّيه لحَمَلَةِ هذا التراث وزيارتهم بصِفَةٍ مُسْتَعْجلَة دون اعتبار لعامل الوقت ليلا كان أم نهارا وقد يطول به المكوث مع الشخص حتى استنزاف آخر قطرة من كنزه المنشود لهذا اعتُبِرتْ كُتُبه في هذا الجانب مَراجِعاً شكَّلت مادَّةً دَسْمةً للباحثين في هذا الشأن. كانت تلك الحكايات المنسوجة بخيوط الفنتازيا والتي لم يخلُ منها بيت بصفتها النافذة المحفورة في جدران الخيال تسمح لذواتنا المضغوطة بالانعتاق لاستنشاق هواء المسافات برهة من الزمن، هي البداية الحقيقية كما سيدشن بها باكورة أعماله المسرحية من خلال توقيع هذه الحقيقة كعنوان لأولى مسرحياته، وإن ترَجَّلتْ لاحقًا بعد اختمارها كفكرة لن تكون قصيرةَ النفَس سنَدتْها دُعاماتٌ شكَّلتْ حلقةَ وصلٍ لتبلوُرها قبل النهائي عبْر فرقة مسرح المرحلة الابتدائية والذي يعتبر ضمن المقررات المدرسية آنذاك. ذلك هو الدكتور. عبد الله آل عبد المحسن رائد مسرح الطفل بامتياز على مستوى الخليج بصفته أول من كتب مسرحية للطفل عام 1388 هـ وقد مُثِّلتْ على مسرح المدرسة، رغم سجال الاعتبارات الذي لم يحسم حتى اللحظة وإن كانت الجوائز التي حصدها ولازال من أكثر من مؤسسة ثقافية على مستوى العالم العربي تشي بهذه الريادة المستحقة. أسوق هذه الشهادة بصفتي أحد المعاصرين لمرحلة البدايات الجميلة لحقبة طبعت بصمته الخاصة على جدار ذاكرة جمعية ما برحتْ طرية بملامحها عبر مسرحيات شهد مسرح نادي الهدى بتاروت رغم تواضع الإمكانيات إرهاصاتها الأولى لتشق طريقها لاحقا لمختلف المنصات والمحطات الفنية بعموم المملكة. حيث كان يدشن عروضه ويختار لها ليالي أعياد الفطر المبارك كنظرة استراتيجية منه لترسيخها تاريخيا من خلال اقترانها بمناسبة سعيدة ومهمة نظرا لغياب وسائل الأرشفة الأخرى التي ظهرت لاحقا نظرا لتواضع الإمكانيات حينها وقد نجح في ذلك والدليل عدم وقوعها في دائرة النسيان لهذا فنحن نعيد تدويرها ثقافيا وكأنها شاهدة بيننا. كنا صغارا وقتها ومجاديف الوصول لهذا الحدث مفقودةٌ (قيمة تذكرة) الدخول لهذا كنا نلجأ لخابية الحيل الطفولية التي كانت تسعفنا بالفعل، فهي لم تخناّ يوما لمخاتلة الرصد الموكلين بكنس الطفيليين أمثالنا حتى وإن انسلخ شطر من العرض لنعوضه اختلاسا من وراء الأسوار. قبل ذلك ولم أكن هذه الفترة شاهد عيان للأسف الشديد، كانت مسرحيات نادييْ الوحدة، والمنارْ بجزيرة تاروت وكانت البداية بعنوان (حكاية جدتي)، كما أسلفتُ، والذي يفتتح ويختصر كامل حراكه الثقافي أو مشروعه الحياتي الذي سيضطلع به لاحقا، سواء فيما سيحرثه من تراث كان في مهب النسيان أو منقوش على جذران ذاكرة شفهية لن يمتد بها الشوط طويلا عند عبورها أدنى منخفض ثقافي، أو ما سيجسده على خشبات المسارح بالأخص في الشطر الأول من مسيرته عبر عناوين لافتة لتراثنا الفلكلوري مثل مسرحية (الكر يكشون) عام 1395هـ، ومسرحية (الشراك) عام 1396هـ. وغيرها من المسرحيات الكثير، والتي كانت دائما تحوز على المراكز الأولى في منافسات مسابقة الرئاسة وقتها، لتكرَّ السبحةُ مراكما الإنجازات وراء الإنجازات وفي أكثر من مضمار فيكفيه إضافةً تحقيقه وإخراجه لديوان الشاعر التاروتي الكبير وشاعر الخليج الأول عيسى المحسن عام 1986 أحد الأصوات المهمة في كتابة الموال والأبوذيات والعتابات. ليصدق عليه مقولة (الرجل الذي له أكثر من ظل)