أسئلة البلاغة!

تتمحور أسئلة البلاغة الكبرى في ثلاثة: سؤال المجاز وهو معنيّ بالتأويل، وسؤال الإعجاز وهو معنيّ بالمزية وكيف يتفاضل الكلام ويرتقي حتى يصل إلى الإعجاز، وعتبته الموازنة النقدية بين كلام وكلام إلى حد المفاضلة. وأخيرا سؤال الإنجاز وهو معنيّ بالتأليف في العلم وطرح مشروعات علمية في تجديد هذا العلم وتجديد النظر فيه بصياغة النظرية وتوسيع أفقها أو بناء نماذج علمية جديدة تتسع بالمجال التداولي لهذا العلم. وهذه الأسئلة لا تتدافع، وإنما تجتمع وتفترق بحسب التناول والمعالجة، وليست مرتبة ترتيبا زمنيا، فسؤال الإعجاز مثلا يظل مطروحا؛ وما زال بابه مفتوحا، لأنه متصل بأكثر من وجه ومنفتح على كل حقل من حقول العلم ما دام باب التدبّر مشرعا في الأفق الممتد. وسؤال المجاز كذلك؛ إذ تبدو البلاغة في هذا الباب علما أصيلا من علوم التأويل، وهي حاضرة في تأويل النص البياني، والأدبي، والحلمي، والنص الواقعي فيما يمكن وصفه بالتأويل الإشاري وغيرها من مسارات ومفازات التأويل. وكذلك سؤال الإنجاز وهو سؤال العلم المتجدد في كلّ عصر، من العصر الشفاهي إلى العصر الرقمي، حيث يتجدد علم البلاغة وفقا للسؤال العلمي المطروح. وفي العموم فالبلاغة بسعتها وشساعتها متجددة لا تتوقف عن النمو والاتساع لأنها، كما يرى كينيث بيرك، “ليست حقلا معرفيا منفردا؛ فهي تغطي كل نأمة في التواصل البشري، خيّره وشريره، وتنسرب في كل حقل أكاديمي، وفي كل ركن من أركان حياتنا”.