القابض على لغته كالقابض على الجمر.

عندما يشرق شهر ديسمبر الميلادي نستشعر واجبنا لإظهار لغتنا الأم بالمظهر اللائق بها، ولا يخفى على متحدثيها ما تنماز به أمهم من ثراء وقدسية ومزايا في مستوياتها المتعدّدة: (البنية والتركيب والدلالة والبلاغة). إنّ اليوم العالمي للغة العربية وهو الثامن عشر من ديسمبر هو اليوم الذي اختارته اليونسكو للاحتفال باللغة العربية؛ لأنه اليوم الذي أصدرت فيه الأمم المتحدة قرارها في إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية بعد اقتراح قدمته المملكة العربية السعودية، عند انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو. وهذا اليوم ليس عيدًا، في هذا اليوم نضع خططًا جديدة، ونراجع مكتسباتنا السابقة.. في هذا اليوم لا نلبس الجديد ولا نشتري الحلوى ولا نهنئ بعضنا فصفة العيد منتفية ولكنّ روح الولاء تستنهض عزائمنا؛ لنكتب، ونتحدث.. في كل يوم نحن نحارب من أجل لغة القرآن الكريم تتلوث مسامعنا في القاعات بألفاظ نشاز؛ تمر على مسامعنا كنغمة صاخبة في ساعة صفو رائقة: (كلاس، كويز، سمستر، ميد، فاينل، سلايد…)، ونجاهد في رحلة التغيير. ونخرج من قاعات الدرس لنجد: (ترند و ويكند وبراند ولوكيشن…) احتلت مكانها على الألسنة بلا حياء ولا استنكار! ألا ليت قومي يعلمون كم نحن بحاجة إلى هذا اليوم! لعلّ الأبناء يتذكرون فيه واجبهم نحو لغتهم الأم! لعلّهم يدركون أنّ البر باللغة واجب، وأنّ استبدال اللغات الأجنبيّة باللغة الأم منكر عظيم، ولعلّهم يستشعرون أنّ هذه اللغة العظيمة هي لغة القرآن الكريم، وتعلّمها فرض، وإتقانها وعي، ومعرفة دقائقها سبيل التقدّم! ووضع المبادرات والخطط، وعقد اللقاءات والدورات ليس ترفًا، وإنّما طريق للتغيير، ووسيلة للإصلاح. نحن جيل النحو والصرف والإملاء والتعبير والبلاغة والأدب تعلّمنا عمق اللغة بالإلمام بتفاصيلها، ودراسة فروعها، وأجهدتنا ساعات الدرس والاختبارات، وبعد رحلة أعوام مع مكابدة العلم والصبر عليه اصطدمنا بواقع يسعى لتسطيح تدريسها، ومراعاة مقتضى الواقع، وجيل هش هو جيل (لغتي) ذلك الكتاب الفقير الذي لا يسمن ولا يغني من جوع… هذا الجيل فاقد هويته، وفاقد شهيته للدرس، ونحن ندرّس وحالنا حال القابض على الجمر يقدّم طعامه لمن لا يشتهيه! * أستاذة النحو والصرف المساعدة في جامعة حفر الباطن