سلمان الدوسري..

مهندس الإعلام السعودي الجديد !

في المشهد الإعلامي السعودي، يبرز اسم معالي وزير الإعلام سلمان الدوسري بوصفه واحداً من أكثر الوجوه حضوراً في مسار التحوّل الذي تشهده المملكة اليوم. حضور لا يرتكز على المنصب فقط، بل على مسار طويل من التجربة المهنية التي تشكّلت عبر ثلاثة عقود، وراكمت معرفة دقيقة بطبيعة الإعلام وصناعته، وتحوّلاته، وأثره، وضرورته كجسر بين الدولة والمجتمع والعالم. حين تقرأ سيرة الرجل أو تستعيد أدواره، تدرك أن وجوده في هذا الموقع لم يكن صدفة، بل امتداداً طبيعياً لمسار بدأ منذ سنواته الأولى في الصحافة الاقتصادية، وتدرّج حتى بات أحد أهم صانعي الرسائل الاستراتيجية في المشهد الإعلامي العربي. يتميّز سلمان الدوسري بنمط هادئ في القيادة، لكنه حازم في الرؤية. فهو ليس من أولئك الذين يتكلمون كثيراً، بل من الذين يُنجزون كثيراً. وهذا النوع من الحضور هو ما تحتاجه مؤسسات الإعلام حين تكون في قلب مرحلة بناء وتحوّل وتحديث، كما هو الحال في المملكة خلال العقد الأخير. خبرته الطويلة في رئاسة تحرير صحيفة «الشرق الأوسط»، أعرق الصحف العربية العابرة للحدود، منحته قدرة نادرة على إدارة غرف الأخبار الكبيرة، وفهم توازنات الرسالة، وتعقيدات الجمهور، وطبقات التأثير، وطريقة إبقاء الأخبار في مستوى مهني رفيع من دون الانحياز إلى انفعال أو صخب. لذلك، حين تولى حقيبة الإعلام، بدا وكأنه ينتقل من قيادة غرفة تحرير إلى قيادة منظومة كاملة، تحتضن الإعلام التقليدي والرقمي والمرئي، وتتعامل مع جمهور واسع، متعدد المسارب، سريع الحركة، ومتطلب إلى حدّ يفوق ما عرفته المؤسسات الإعلامية في الماضي. في الفترة الأخيرة، شهد الإعلام السعودي تحولات بنيوية مهمة، ويمكن القول إن جزءاً مهماً منها ارتبط بمقاربات سلمان الدوسري. فقد عمل على إعادة ضبط العلاقة بين المؤسسات الإعلامية وبين الواقع الاتصالي الجديد الذي لا يشبه ما سبقه، واقع تُصنع فيه الرسائل بسرعة، وتتنافس فيه المنصات على الثانية الواحدة، وينشأ فيه الرأي العام من تفاعل لحظي. لذلك، جاءت مقاربته قائمة على مبدأين: المهنية العالية التي تحمي الرسالة الوطنية، والانفتاح على أدوات العصر التي تمنح الإعلام السعودي قدرة أكبر على الوصول والتأثير. في هذا السياق، برزت مبادرات كثيرة تعيد صياغة واجهة الإعلام السعودي، سواء عبر تطوير البنية التشريعية، أو تمكين المؤسسات الوطنية، أو الاستثمار في الكفاءات الشابة، أو بناء منصات حديثة تتفاعل مع الجمهور وتخاطبه بلغته اليومية. ومن يتأمل أداء الدوسري يدرك أنه يجمع بين صفتين نادرتين: هدوء رجل الدولة، وحساسية الصحافي. فالأولى تمنحه القدرة على اتخاذ القرارات الصعبة في لحظة تحتاج إلى حسم، والثانية تهبه ما يشبه البوصلة الداخلية التي ترشده إلى ما يحدث في الشارع وما يتحرك في الفضاء العام وكيف يستقبل الناس الرسائل. وهذا المزيج هو ما يجعل أداءه في الوزارة مختلفاً. فهو يدير المشهد من موقع يوازن بين المتطلبات الوطنية العليا وبين التفاصيل اليومية التي يصنعها الإعلام بكل فروعه. وكثيراً ما يصفه العاملون معه بأنه مستمع جيّد، يتيح للفريق أن يقدم أفضل ما لديه من دون تدخل ثقيل، لكنه يعود في لحظة ليعطي القرار النهائي بدقة لا تقبل الارتباك. ومن العناصر اللافتة في تجربته أيضاً اهتمامه العميق بالمحتوى السعودي. فالرجل يدرك أن أمام المملكة اليوم فرصة تاريخية لكتابة قصتها من الداخل، وبأقلام أبنائها، وبمنصات قادرة على نقل التحول الوطني للعالم بلغة حديثة وجاذبة. ولذلك، جاء تركيزه على دعم الصناعات الإعلامية، وتمكين قطاع الإنتاج المرئي، وتحفيز المواهب الشابة، وبناء شراكات دولية تمنح المحتوى السعودي مساحة أوسع من الحضور الخارجي. وهذا يتقاطع بشكل مباشر مع رؤية 2030 التي ترى في الثقافة والإعلام جزءاً من القوة الناعمة للدولة، وأحد أهم مجالات الاستثمار المؤثرة في تشكيل الصورة الذهنية الجديدة للمملكة. لا يمكن أيضاً فصل دور الدوسري عن متطلبات المشهد الإقليمي، بما يحمله من تحديات سياسية وأمنية وإعلامية. فالمملكة اليوم لاعب محوري في ملفات المنطقة، وبالتالي فإن خطابها الإعلامي بحاجة إلى دقة واتزان ومهنية ليبقى قادراً على مواجهة الحملات، ونقل المواقف بوضوح، وشرح السياسات بلغة يفهمها الداخل ويستوعبها الخارج. هنا يظهر أثر خبرته الطويلة في الصحافة الدولية، التي جعلته يعرف جيداً كيف تُبنى الرواية، وكيف تُدار الصورة الذهنية، وكيف تُفكّك الرسائل المعقدة إلى لغة بسيطة تصل إلى القارئ والمتابع أينما كان. ومع كل ما سبق، يبقى أكثر ما يميز سلمان الدوسري هو أنه ينتمي إلى جيل جديد من رجال الدولة الذين يجمعون بين الخبرة والمرونة، وبين الاحتراف والواقعية، وبين القدرة على اتخاذ القرار وبين الانفتاح على الحوار. وهو ما يجعل حضوره في وزارة الإعلام جزءاً من مسار التحديث الكبير الذي تعيشه المملكة، حيث يتحول الإعلام من قطاع تقليدي يعتمد على الصحف والقنوات إلى صناعة استراتيجية متكاملة ترتبط بالتقنية والبيانات والذكاء الاصطناعي والتحليلات واتجاهات الجمهور. وفي نهاية المطاف، لا يمكن قراءة تجربة سلمان الدوسري إلا ضمن سياق التحول الوطني الأوسع. فالمملكة اليوم تعيد ترتيب علاقتها بالإعلام، وتبني جيلاً جديداً من منصاتها وأدواتها ومحتواها، وتحتاج في هذه المرحلة إلى قيادات تعرف جيداً قيمة الكلمة، وأثر الرسالة، ورهانات الصورة، ومسؤولية الخطاب. وفي هذا المشهد، يبدو الدوسري حاضراً بثبات، يقود من دون ضجيج، ويعمل من دون توقف، ويمضي بثقة في مهمة بناء إعلام حديث، قادر على مرافقة وطن يتغير بسرعة نحو مستقبل أكثر ابتكاراً وازدهاراً. (*) كاتب وصحافي سعودي