الرائد التعليمي معالي الدكتور عبدالعزيز العبد المنعم..

«ابن الفلاّح» الذي أطلق اسمه على أحد شوارع الرياض.

أتيحت لي فرصة زيارة معالي الشيخ عبد العزيز بن محمد آل عبد المنعم قبل أيام إذ كنت مع مجموعة من أدباء المملكة في زيارة للزلفي بدعوة كريمة من الأستاذ الدكتور صالح العليوي - أبي يعرب - طوال يوم الاثنين 3/ 6/ 1447هـ الموافق 23/ 11/ 2025م وصباح اليوم التالي. وكنت من باب الوفاء والتقدير أرغب في زيارة الدكتور العبد المنعم في منزله بالزلفي كلما زرتها، وقد تعذر تحقيقها عدة مرات لسبب أو لآخر، وبهذه الزيارة اتصلت به وبعد الترحيب والسلام طلبت منه السماح بزيارته فرحب وقلت له إنني بصحبة بعض طلابك بمعهد الرياض العلمي قبل سبعين عاماً، واتفقنا على صلاة المغرب معه في المسجد المجاور لمزرعته ومسكنه، سبق أن قابلته قبل سبع سنوات في الرياض وكتبت عنه ضمن (أعلام في الظل) ويعرفني فبمجرد الاتصال به عرفني، عرّفته برفيقي الدكتورين محمد بن عبد الرحمن الربيع وعبد اللطيف المحمد الحميد، رحب وشكر الجميع، وبدأ كل واحد يتذكر المواقف وفوجئوا بذاكرته القوية - رغم تجاوزه الخامسة والتسعين من عمره - ذكر لنا… أن الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ المشرف وقتها على المعاهد العلمية والكليات قد كلفه بالتدريس بمعهد المجمعة عامي 74-1375هـ قبل تخرجه من كلية الشريعة عام 1376هـ مع أول دفعة تخرجت من الكليتين، الشريعة واللغة العربية.  وذكرنا له بعض ما علق في الذاكرة من قصص وطرائف مضى عليها زمن طويل، إذ كنت مع الدكتور الربيع زملاء من عام 1378هـ قبل نقل المعهد من (أم قبيس) إلى (حوطة خالد) ثم مقره الأخير بشارع الوزير أما الدكتور الحميد فقد أدرك المدير في آخر عام له بالمعهد عام 88/ 1389هـ  أقول إننا أمضينا وقتاً ممتعاً مع معاليه ولو لم نكن على ارتباط مع الضيوف الآخرين لبقينا معه وقتاً أطول، وبعد انصرافنا زاره الدكتوران محمد المشوح وحمد الدخيِّل وكنا لم نشعرهم بزيارته حتى لا نثقل عليه، ولنأخذ راحتنا في الحديث معه. الذي يهمني في هذه المقالة القصيرة أن أذكر وأشكر وأقدر رائداً من روادنا الأوائل الذي ولد منتصف القرن الهجري الماضي وعاش الفاقة والفقر كغيره، وتغرب عن مسقط رأسه وعائلته للبحث عن التعليم وما يسد رمقه، سافر من الزلفي إلى عنيزة فالرياض، تلقى بداية التعليم في كتاتيب الزلفي فمدرسة صالح بن صالح بعنيزة فمدرسة الأيتام بالرياض، ومع افتتاح مدرسة دار التوحيد بالطائف عام 1364هـ التحق بها وبمجرد معرفته بافتتاح المعهد العلمي بالرياض عام 1370هـ 1950م انتقل من دار التوحيد ليلتحق به، وكان لتحصيله ونباهته أن اختير للتدريس بمعهد المجمعة العلمي بعد افتتاحه عامي 74-1375هـ، وهو ما زال طالباً بالكلية. تخرج من كلية الشريعة عام 1376هـ وفي العام التالي تولى إدارة معهد الرياض لأكثر من عشر سنوات. بعدها تولى إدارة المعاهد ثم إدارة الكليات والتوجيه انتقل بعدها عام 1392هـ وكيلاً برئاسة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعدها حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه من الجامع الأزهر بالقاهرة عام 1397/ 1398هـ، وفي عام 1398هـ عمل أميناً عاماً لهيئة كبار العلماء حتى تقاعده عام 1430هـ 2009م. له أربعة أبناء هم: خالد وماجد ومقرن ومجاهد، يهمني بالمناسبة أن أذكر مشاركاته وكتاباته بالصحف المبكرة.  نشرت له جريدة البلاد السعودية مقالاً مطولاً في عددها 1153 وتاریخ 20/ 6/ 1371هـ الموافق 16/ 3/ 1952م بعنوان (الزلفي)، ثم مقال بمجلة اليمامة في سنتها الثانية لشهري ربيعي 1374هـ بعنوان (الإنسان بين الحقيقة والخيال). وعندما تحولت اليمامة من مجلة إلى جريدة كتب ثلاث مقالات بالصفحة الأولى ففي يوم الأحد 17/ 5/ 1375هـ مقال (نظرات 1 - تهيب) والمقال الثاني في العدد 19 بعنوان (نظرات 2 العاطفة) مهداة إلى الوطني الكبير أبي صخر وهو يقصد مدير عام شؤون النفط والزيت وقتها عبد الله الطريقي والمقال الثالث (نظرات 3 حياة وحياة). وعند إثارة موضوع (الأجانب .. التجنيس) نجده يكتب في العددين من اليمامة 140-141 بتاريخ 14/ 3/ 1378هـ، وبعد أن استعرض إيجابيات وسلبيات الموضوع اختتمها بقوله: «.. ونحن في ذلك لا نصدر عن عنصرية مقيتة، أو ندعو بعقلية عقيمة، فنحن نؤمن كل الإيمان بأننا جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، ونحن مع الأمة العربية جزء من الإنسانية التي يجب أن نتعاون معها في السراء والضراء.. الخ»  وقد قابلته في إحدى زياراته للرياض عام 2020 وهنأته بتسمية شارع باسمه شمال الرياض متفرع من شارع الأمير محمد بن سعد بن عبد العزيز، وسألته من يكون ابن الفلاح الذي كتب بمجلة وجريدة اليمامة فضحك وقال هذا اسمي المستعار، وقبل أن أودعه أهداني كتابه (نزع ملكية العقار للمنفعة العامة في ضوء الشريعة الإسلامية) ط1، 1439هـ 2018م وهو موضوع رسالته للحصول على درجة الدكتوراة من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، والتي تمت مناقشتها عام 1397هـ 1977م قال في مقدمته: «… هو محاولة لدراسة موضوع من الموضوعات الفقهية، التي لها مساس بحياتنا الاجتماعية... وتبدو أهمية هذا الموضوع، في كونه يعرض لأبرز محل للملكية وهو ملكية العقار، فالعقار كـما هو معروف، منه الملك المطلق، ومنه الوقف، ومنه الأراضي المتروكة حريماً للعامر، ومنه المخصص لمنفعة العموم كالطرق العامة، والأفنية بين الدور، ومنه ما هو موات .. وقد اقتضت طبيعة البحث أن أتكلم عن الملكية وأنواعها ثم أتبع ذلك بالكلام عن العقار والفرق بينه وبين المنقول، لأخلص من ذلك إلى ملكية العقار في الواقع التاريخي الإسلامي، ومذاهب الفقهاء في الأراضي العشرية، والأراضي الخراجية، وحكم بيع دور مكة ورباعها وإجارتها.. وستكون دراستي لهذا الموضوع عرضاً لوجهة نظر الشريعة، في كل جزئية من جزئياته، مع ذكر أقوال الفقهاء وآرائهم، والمقارنة بين المذاهب الفقهية المختلفة في المسألة الواحدة، وبيان مأخذ كل قول. وسأحرص في نقل آراء أصحاب المذاهب المختلفة أن أعود إلى مصادر أقوالهم في الكتب المعتمدة عند أصحاب كل مذهب، وأن أعزو كل قول إلى صاحبه، ولم أشأ التدخل أو التحيز لمذهب دون آخر، أو لقول دون قول، وسيكون منهجي في ذلك عرض جوانب الموضوع المختلفة، ودراستها بتجرد تام، وترجيح ما يشهد له الدليل الصحيح، دون تعصب ولا تقليد..». تحية تقدير وشكر لمعالي الشيخ ولابنه مقرن الذي استقبلنا وقام بواجب الضيافة.