ان للفن لحظة الخصوصية وشكله ورؤيته وحريته، التي من دونها يصبح كأي شعار سياسي موزون، قد يكون صحيحا في الميزان السياسي!!! ولكنه «غلط» في الميزان الفني، حين تكاد اللوحة ترسم الفنان، لا،، الفنان يرسم اللوحة، وانا اعني بذلك سرية هذا العمل المعقد وسحره ومفاجآته، فإن روح الفنان تختزن كل شي، تختزن الأصوات والذبذبات الصغيرة، كما تختزن الأرض، البراكين والأعاصير، والصراخ، كما تختزن، الهمس، وظله، وتختزن حبات الندى الناعمة، كما تختزن الآبار والأمطار الجوفية، ولكن الأنبجاس الفني، ليس خاضعا – لترموتر أو مؤشر - لأن اللحظة الحقيقية للإبداع، ليست لحظة زمانية، بمقدار ما هي لحظة إنها - لحظة وجدان - من هنا صعوبة قياسها بمقاييس - تدعى العلوم الوضعية والتطبيقية - ومنها العلوم الألسنية، الإمساك بها، وهذا الكلام ليس كلاما تبريريا، للفنان محمد سيام (رحمة الله عليه) بمقدار ما هو ترسيخ لمفهوم الفن الحقيقي وإرساء لمعالمه، وهذا ينطبق على ذاته الفنية، التي تنطوي على الكثير من مقوماتها، منطلقا بتفكيره مع متطلبات طموحاته، بإيحاءات بصرية وصورا متنوعة، متجاوزًا كل القيود على الصعيد التعبيري والجمالي، وهو مسعى يجهد الكثير من الفنانين للوصول اليه، فرسم معالم الوطن واهتم بالتراث والبيئة والفنون الشعبية والموروثات المحلية، وحرص على أن يكون البناء الجديد، وفق معطيات العصر القائم على ثقافته العربية الإسلامية، وكان مميزا في تجربته، وخبيرا في الأدوات والخامات، ولم يقف إلى هذا الحد، بل تطرق إلى الواقعية الحديثة بأسلوب تأثيري انطباعي والتعبيرية التجريديةAbstract Expressionism ، فكان أكثر ما يكون صاحب مدرسة خاصة ورؤية دقيقة وشخصية مستقلة، فهو في داخله يمتلك ثقة عالية، حتى أصبح له بصمة خاصة يضعها على أي موضوع يشغله، في مسعى للوصول بالمنتج التشكيلي إلى ما يمكن اعتباره الفن الخالص والقائم على توازنات التشكيل البحت، مستحضرا في نصوصه البصرية العديد من العناصر التي منحت للوحاته إحساسا حركيا بإيقاعات نابضة، لأنها في مجملها أطروحة فنية في قالب موسيقي موزون، تحيط بتكويناته ومفرداته العديد من الأفكار العميقة التي تحيلنا إلى المدونات من الحكايات والروايات والمتوارثات تتجاوز الحدود المعروفة لمعايير التشكيل التقليدية، تساهم جميعها في تكوين الصورة الفلسفية والحس الوجداني والخصوصية الذاتية، يميزه ويستمد رؤيته من التراث الثقافي المحلي بعبقه وقيمه، يضيف للحركة العالمية بعداً جديدا وأصالة فنية، معبراً عن إبداعات وطنه الذي يُنظر لها بعين الاعتبار كجزء من حضارته وانعكاس لواقع ثقافة ووعي المجتمع، انه يمثل الفنان الفريد، وبرحيله من هذه الدنيا، تنطفئ منارة كبرى كانت ترسل إشعاعات ابداعاتها في ربوع الوطن، فاسمه وابداعاته الفنية محفورة في ذاكرتنا، ولكن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفًا من كل جلل، فنحن بعد رحيله، لن نبكيه، بل نبكي أنفسنا لأنه تركنا وحدنا ولن نراه بعد اليوم في دنيانا، وقد كان جزءا من حياتنا، إننا نبكي من أجلنا نحن، لا من أجله، لأنه رحل، فلن يشعر ببكائنا وأحزاننا، ولن يستعيد شيئا مما مضى، ولن يكون بمقدوره أن يصنع شيئا لنفسه، فقد رحل عنا، لأن الموت حق وجلال ولنا من بعده انتظار في محطات قد تطول وقد تقصر، حتى يأتي بلا هيبة أو تردد، يختارنا واحدا إثر آخر، وعزاؤنا في فراقه، أعماله الفنية، التي نراها في كل جولة من معارض جماعة المدينة المنورة، وهي لفتة كريمة ووفاء نادر من الفنان النبيل د. فؤاد مغربل، تذكرنا به وبما يمد جسور التواصل والدعاء له بالرحمة والمغفرة، انتظارا لمشاهدتها في متحف للفن التشكيلي السعودي المعاصر، كما هي المتاحف في دول العالم .