شهدت السنوات الأخيرة حضورا لافتا للسينما السعودية في المحافل السينمائية المحلية والدولية والعربية وتمكنها من لفت الانتباه لها من خلال ما تعرضه من مواضيع وتناول في السيناريو والإخراج والأداء التمثيلي، بالرغم أنها تعد سينما ناشئة ما تزال تبحث عن خصوصية جمالية ومناخ يمكنها مـــن تأسيس هويــة فنية سينمائية صلبة توازن بين الانفتاح عن الآخر وإنشاء صناعة خاصة بها. و بالرغم من سعي هيئة الأفلام من فتح الأبواب أمام المبدعين و تسهيل الإنتاج إلى جانب الاهتمام بالمؤتمرات كمؤتمر النقد و المنتديات و إنشاء قاعات السينما ... و الاهتمام بكل ما يمكن أن يساهم في خلق بيئة سينمائية سعودية تمكن من توطين اشتغالات سينمائية ذات خصوصية، إلا أنه تظل هناك تساؤلات متمحورة حول السينما السعودية في كل ما يتعلق ما تخوضه من تجارب و تجده من تحديات.؛ تساؤلات من قبيل : كيف تختبر السينما السعودية اليوم هويتها الخاصة بوصفها جدلاً فنيا مع متغيرات واقع إنساني متعدد، ؟ وإلى أي مدى استجابت صناعة السينما في المملكة لتحدياتها الموضوعية وما هي أبرز تلك التحديات؟ و كيف ينظر السينمائيون إلى ما تقدمه هيئة الأفلام من دور في دعم الإنتاج السينمائي؟ إلى جانب ماهية تقييم النقاد للدعم الذي تقدمه مهرجانات السينما في السعودية، كمهرجان البحر الأحمر، عبر فرص وشراكات مع المبدعين من منتجين ومخرجين في الساحة العربية والدولية ، وهل لازالت هناك قيود غير مرئية تحد من انطلاقة المبدعين السعوديين نحو تجريب أكثر جرأةً؟وبين حداثة التجريب وآفاق الفرص المفتوحة، ما الذي ينقص صناعة السينما في المملكة العربية السعودية؟ وإلى أي مدى يمكن القول أن وجود أكثر من ٧٠ قاعة سينمائية بمثابة دلالة على تفاعل المجتمع في المملكة مع هذه الصناعة الحديثة؟ وكيف ترجمت صناعة السينما استجابة المجتمع لتطلعات الفاعلين السينمائيين . وأخيرا..كيف أثر حضور السينما السعوديةفي أبرز مهرجانات السينما العالمية، كمهرجانات: كان، برلين، فينيسيا، تورنتو؟ و كيف يمكن تقييم تجربة النقد السينمائي بموازاة الحراك النشط للسينما السعودية في الداخل والخارج؟ بإزاء تلك التساؤلات توجهت “ اليمامة “ إلى مجموعة من النقاد و المختصين في المجال السينمائي -و هم: الناقد أحمد العياد و كاتبة السيناريو منال العويبيل و الناقد محمد جميل أحمد و المخرجة ريم سمير البيات و الناقد طارق الخواجي و الناقد محمد البشير و الكاتبة و المخرجة هناء العمير و المخرجة ريم الماجد و الكاتب و المخرج السينمائي عبد المحسن المطيري- أحمد العياد : السينما لا تزدهر بالخوف يقول الناقد أحمد العياد أن: “الهوية تتشكّل من “مكان” و”لغة” و وأحيانا “مزاج المشاهد والسينمائيين ”.الأجمل أنّ التنوّع داخل المملكة صار مادة مثرية .. فالسعودية قارة متعددة اللهجات والثقافات . وكل ماهو مهم الآن هو إثبات والاتفاق مع الجمهور السعودي بشكل دائم والحوز على ثقته” . اما فيما يتعلق بالتحديات فيقول العياد: “تحدياتنا متعددة؛ إنتاجية وثقافية، وتحتاج ما يمكن تسميته بـ”الصبر السينمائي” — أي الإيمان بأن بناء صناعة حقيقية يحتاج وقتًا وتراكمًا. لكن أرى أن التحدي الأهم اليوم هو الرقابة، وأحيانًا ما تكون رقابة مجتمعية أكثر من كونها مؤسسية.أنا أتفهم تمامًا النقد الموجّه لأي فيلم سعودي، بل أراه جزءًا طبيعيًا وصحيًا من تطوّر الصناعة. لكن ما يقلقني هو الحملات القاسية التي تطال بعض المخرجين، كما حدث مع فيلم ناقة. فمخرج مثل مشعل الجاسر، لا شك أن ما تعرّض له من هجوم بعد عرض الفيلم جعله يعيد حساباته ويتراجع كثيرًا عن خطواته المقبلة. هل كان الهجوم مبرّرًا؟ لست متأكدًا. لكن ما أعرفه أن المبدع حين يبدأ في مراقبة نفسه، ويراعي الجميع، ويفكّر أكثر في “ردة الفعل” من التفكير في “الفعل الفني” نفسه، فإن النتيجة ستكون عملًا دون المستوى، فاقدًا لجرأته الأولى. السينما لا تزدهر بالخوف. إلى جانب ذلك، هناك تحدٍ لا يقل أهمية، وهو البيروقراطية — بطء الإجراءات، وتداخل الصلاحيات، وكثرة الحلقات التي يمر بها أي مشروع قبل أن يبدأ. كل هذا يجعل الحماس الفني يصطدم بجدار إداري يستهلك الوقت والطاقة”. و يستطرد قائلا: “ لا شك أن هيئة الأفلام لا تتأخر في تقديم الدعم على جميع الأصعدة. فهي تدعم صنّاع الأفلام من خلال منح “ضوء”، أو برامج الدعم المسترد، إضافةً إلى البرامج التعليمية والورش السينمائية التي تستهدف المبتدئين وتنمية المواهب. كما تفعّل الهيئة بيئة الإنتاج المحلي عبر مبادرات مثل “مشوِرة” و“كادر”، إلى جانب بناء مجتمع سينمائي متكامل من خلال مجتمع تفعيل الأفلام وغيره من البرامج الإشرافية. وعلى مستوى الفعاليات، تشهد الساحة السينمائية حراكًا لافتًا؛ ففي الأسابيع الأخيرة فقط رأينا منتدى الأفلام، تلاه افتتاح استديوهات جاكس، والآن نختتم مؤتمر النقد السينمائي الدولي — وهو تسلسل يُظهر حيوية المشهد السينمائي في المملكة وديناميكيته المستمرة”. و عن أثر حضور السينما السعودية في مهرجانات عالمية كان/برلين/فينيسيا/تورونتو يعتبر ناقدنا أنه: “أعطى شرعية دولية وجذب شركاء. لكنه خلق مفارقة: أفلام تُصنع لمهرجانات ولا تجد طريقها محليًا. التوازن هو أن نصنع أفلامًا “محلية بامتياز” قابلة للعبور عالميًا، لا العكس”. و يضيف بالنسبة الى تجربة النقد السينمائي:” تتقدّم تجربة النقد السينمائي في السعودية بخطوات ثابتة وجيدة، ويُعد مؤتمر النقد السينمائي الدولي — الذي اختُتم مؤخرًا — نموذجًا فريدًا على مستوى العالم من حيث الفكرة والاتساع والمشاركين. كما نشهد اليوم منصّات نقدية سعودية متعددة، تمثّل امتدادًا طبيعيًا لجذور بدأت في مطلع الألفية الجديدة، مثل منتديات “سينماك” أو الموقع النقدي السعودي الأول “شباك التذاكر”. ما يحدث الآن لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة تراكمات ومحاولات سابقة وضعت الأساس لحركة نقدية أكثر نضجًا ووضوحًا اليوم” حسب العياد. منال العويبيل : السينما السعودية تحاول خلق سرديات “هجينة” من جهتها ترى السيناريست منال العويبيل أن: “السينما بطبيعتها ليست مجرد فن سردي أو مرآة للواقع، بل هي “جدل فلسفي متجدد” مع الوجود الإنساني؛ تضع الواقع تحت المجهر، وتعيد تأويله سرديًا وبصريًا. في السياق السعودي، هذا الجدل يتخذ طابعًا مركبًا، إذ تختبر السينما السعودية هويتها داخل شبكة معقدة من المتغيرات: اجتماعية، ثقافية، دينية، سياسية، وجغرافية، كما تعيش حالة تشكّل مستمر وليس اكتشاف جاهز، ولا يمكن اعتبار الهوية السينمائية المحلية اليوم ناضجة بما يكفي بشكل نهائي. بل هي في طور “التشكّل”، أو كما نظرية الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز”الهوية الجارية” التي تتكوّن بفعل الحركة المستمرة، لا عبر الثبات أو النمطية. أما عن محكات ذلك فقد يكون أولها اختبار الهامش، والعديد من الأفلام السعودية كـ”المرشحة المثالية” لهيفاء المنصور أو “سيدة البحر” لشهد أمين — تذهب إلى هامش المجتمع أو الجغرافيا لتطرح أسئلة تمسّ العمق دون مواجهته مباشرة. الجانب الآخر اختبار تحرر اللغة البصرية من القوالب، فالسينما السعودية تحاول خلق سرديات “هجينة”. عبر وعي متزايد بضرورة صناعة لغة سينمائية أصيلة، تنبع من الإيقاع المحلي، من فراغات الصمت، من رمضاء الصحراء، ومن ثقل اليومي أحيانًا، والنوستالجيا البعيدة في أخرى. مثال: فيلم قصير مثل “نور شمس” لفايزة أمبا، ينتمي لما يمكن تسميته بـ”الواقعية الشعرية السعودية”، حيث الصورة أهم من الحدث، والإيماءة أغنى من الجملة. وأخيرًا، السينما السعودية تكتب نفسها أمام أعين الآخر، وهذا يولّد توترًا بين الرغبة في تمثيل الذات بصدق، وعبء التفسير المزدوج للرسائل، ومع ذلك نرى التسامي في المحاولة هو الرهان الذي ينجح دائما”. و عن مدى استجابت صناعة السينما في المملكة لتحدياتها الموضوعية فتعتبر العوبييل أنه “لا تزال في طور التفاعل لا الإنجاز الكامل. هذا التفاعل يمكن فهمه ضمن ما يمكن إيجازه بـالانتقال من الحضور الرمزي إلى التمكين المؤسسي، حيث لم تعد السينما مجرد حدث ترفيهي، بل تحاول أن تتحول إلى بنية إنتاجية مستدامة. الصناعة استجابت، و تستدرك قائلة: “لكن هذه الاستجابة ما تزال ضمن مرحلة إثبات الوجود، لا مرحلة النفاذ إلى جوهر الأسئلة. تجاوز هذه المرحلة يتطلب إعادة تعريف دور السينما كمساحة للتفاوض مع الوعي لا مجرد وسيلة للعرض. و فيما يتعلق بالتحديات فترى العويبيل:”أن أبرز التحديات فهي تراكم الإرث السينمائي الذي يشكل الوعي الفني ويمنح الصوت فرادة خاصة، إضافة لصقل المواهب بالتجريب أكثر منه التنظير، وبالتأكيد تحدي هيمنة المنصات، وسرعة الإنتاج، وضغط الخوارزميات على خيارات الجمهور، التي أدت إلى تسليع السرد. لحساب “الجذب السريع”، و”الترند”، مما يقتل التأمل والبطء والعمق البصري الذي ميّز السينما كفن”. و تضيف: “ إن دور هيئة الأفلام يُعدّ ضرورياً في هذه المرحلة التأسيسية. الدعم لا يقتصر على التمويل، بل يشمل خلق بيئة ممكنة لصناعة مستدامة، تشمل حاضنات للمواهب، برامج تدريب نوعية، ودعم لحضور الأفلام في مهرجانات دولية. هذه الجهود أسهمت في تحريك الراكد، وأعطت شرعية مؤسساتية للفعل السينمائي المحلي.. مع ذلك أؤكد على مفهوم ملحّ: إنّ الدعم المثالي هو الذي يزرع الجرأة، لا التكرار. و تكمل:”مهرجان البحر الأحمر قدّم قفزة نوعية في المشهد السينمائي السعودي، ليس فقط عبر عروض الأفلام، بل من خلال تفعيله لسوق الصناعة وبرامجه الموجهة للمواهب السعودية والعربية، مما جعله منصّة فاعلة لاكتشاف الأصوات الجديدة وربطها بالشبكات الإقليمية والدولية. ومع ذلك، يبقى التحدي الحقيقي في تحويل هذا الزخم إلى جسور مستدامة تتجاوز الطابع الموسمي للمهرجانات. القيمة الحقيقية للمهرجان تكمن في قدرته على تمكين الشراكات الإنتاجية العادلة، وتعزيز الاستقلالية الفنية للمبدعين المحليين، لا في الانبهار بالشراكات الكبرى التي قد تُفضي إلى ذوبان الصوت المحلي داخل رؤى إنتاجية مشتركة لا تعكس الخصوصية الثقافية. وهذا ما نلمسه أحياناً حين يتم السعي للوصول إلى العالم بلغته هو، لا بلغتنا. بالمقابل، فإن تجارب سينمائية ناجحة مثل الكورية، والتركية، والإيرانية، أثبتت أن الطريق إلى العالمية يمر عبر المحلية العميقة، لا عبر التنازل عن الذات. السينما السعودية تمتلك من الخصوصية ما يجعلها قادرة على الحضور الدولي دون أن تُفرّط في لغتها وسياقها، والمهرجانات يجب أن تكون رافعة لهذا التوجه لا بديلاً عنه.. و بخصوص بوجود قيود غير مرئية تحدّ من انطلاقة المبدعين السعوديين نحو تجريب أكثر جرأةً خاصة بعد أن تم إطلاق حرية العمل السينمائي مؤسسياً، في المملكة منذ سنوات، تقول كاتبتنا :”تتمثل هذه القيود في عدة مستويات، أحدها الرقابة الذاتية، حيث يُمارس المبدع نوعًا من الاحتراز المسبق، إما خشية من عدم التقبل الاجتماعي أو من تأويلات تُخرج العمل من سياقه الفني. أيضًا، منظومة التلقي الثقافي التي ما زالت تُفضل “الآمن والمفهوم” على التجريبي أو غير المألوف، ما يشكل ضغطًا على الفنان لاختيار مواضيع وأشكال سردية مألوفة للجمهور. فما نحتاجه اليوم هو بيئة تحتفي بالمخاطرة الفنية، وتفصل بين سؤال “الجودة” وسؤال “القبول”، حتى تتوسع المساحة أمام المبدعين ليجرّبوا، يخطئوا، ويعيدوا تشكيل اللغة السينمائية السعودية دون تردد”. و فيما يتعلق بآفاق الفرص المفتوحة، و ما ينقص صناعة السينما في المملكة العربية السعودية، تجيبنا العويبيل:”ينقصها زمنٌ كافٍ للتراكم، ومساحة حرّة للتجريب بلا محاسبة فورية. كما ينقصها:نقد سينمائي جاد ومتخصص. ومنظومة توزيع وطنية فعّالة خارج دور السينما التجارية. إن السينما السعودية تمتلك الآن بنية داعمة وفرص إنتاج وعرض غير مسبوقة، لكن الخيال الفني لم يُحرر بالكامل بعد. لا تزال كثير من الأعمال تراوح بين الواقعي التقريري أو الرمزي المشفر، دون أن تخوض مغامرة تحويل الواقع إلى رؤية تتجاوز اليومي، كما تفعل السينما الإيرانية أو الكورية. و تضيف: “ما تحتاجه الصناعة هو تراكم تجارب تخرق السائد، وتجعل من الفيلم السعودي سؤالاً مفتوحاً، لا إجابة جاهزة.بمعنى آخر، ما ينقص السينما السعودية اليوم ليس فقط أن تقول ما لا يُقال، بل أن تقول بطريقة لا تُشبه ما قيل. هذه هي الجرأة التي تبني صناعة متفردة، لا متشابهة. و بخصوص وجود أكثر من 70 قاعة سينما في المملكة هو دليل على إتاحة لا بالضرورة على تفاعل عميق. فالحضور المادي للقاعات لا يكشف وحده عن مدى اندماج المجتمع مع الثقافة السينمائية كفن وممارسة نقدية وجمالية”. و تكمل:”نحتاج عمقًا فنيًا لدى الصناع والمتلقين، يربّي الذائقة ولا يكتفي بتلبية الطلب.و يمكن القول إن الاستجابة المجتمعية لتطلعات السينمائيين السعوديين جاءت انتقائية ومركّبة. إذ تُقابل بعض الأعمال بترحيب واسع، بينما تواجه أخرى بتردد أو حتى صمت نقدي، مما يعكس فجوة بين جرأة الرؤية الفنية وحذر التلقي الاجتماعي. إن المجتمع لا يترجم بالضرورة طموحات السينمائي كما هي، بل يعيد تأويلها وفق معاييره الثقافية، وتكوينه الذوقي، وسياقه القيمي. فيلم “الهامور ح.ع” مثلاً حقق انتشاراً جماهيرياً لارتباطه بمخيلة شعبية حول المال والنفوذ، في حين أن أعمالاً أكثر ذاتية وتجريباً مثل “سيدة البحر” قوبل بتفاعل محدود رغم حضوره الدولي. هذا يعني أن السينما السعودية تتقدم فنياً أسرع من تقبّل جمهورها لبعض التجارب، وهو أمر طبيعي في المراحل التأسيسية لأي حركة فنية. المطلوب الآن هو الاستمرار في الإنتاج النوعي، لا الانصياع الكامل لمؤشرات السوق، حتى تتسع دائرة التلقي وتتنوع مستويات التفاعل” . و تستطرد قائلة: “يمكن القول إن حضور السينما السعودية في مهرجانات عالمية شكّل لحظة رمزية مهمة، لكنها لم تُترجم بعد إلى تحوّل فعلي في البنية الداخلية لصناعة السينما. هذا الحضور كان بمثابة “مرآة دولية”، عكست الإمكانات الكامنة في التجربة السعودية، لكنه لم يُحدث بالضرورة موجة تغيير ملموسة في أدوات الإنتاج أو آليات التوزيع أو حتى في ذائقة الجمهور المحلي. هناك أفلام وجدت طريقها إلى مهرجانات دولية، لم تحظَ بنفس القدر من الحوار المحلي أو التقدير الجماهيري، مما يشير إلى أن الصناعة لا تزال في حاجة إلى جسر يربط بين الطموح العالمي والمشاركة المحلية. بعبارة أخرى، الحضور العالمي مهم، لكنه لا يُغني عن الحاجة لبناء سينما تُشاهَد في الداخل، لا فقط تُصفق لها في الخارج. و بخصوص تقييمها لتجربة النقد السينمائي بموازاة الحراك النشط للسينما السعودية في الداخل والخارج فترى أنه: “في ظل ازدهار الإنتاج المحلي، وتزايد المشاركة في مهرجانات دولية، يظل النقد في معظمه انطباعيًا أو صحفيًا، يعتمد على التوصيف السريع أكثر من التحليل البنيوي أو الجمالي. غياب منصات نقدية متخصصة، وقلة النقاد المتفرغين، وضعف العلاقة بين النقد والجمهور، كلها عوامل تجعل الصوت النقدي باهتًا مقارنة بالحراك الإنتاجي”. “و لكي تنمو السينما، لا يكفي أن تُنتج، بل يجب أن تُفكك، تُسائل، ويُعاد تأويلها. والنقد هو الذي يمنح الفيلم حياة ثانية، ويصوغ وعيًا جمالياً وثقافياً حوله. ما ينقص الآن ليس النقد فقط، بل الوعي بأهميته كجزء عضوي من الصناعة لا مجرد تعليق عليها. من المبادرات الرائدة التي تستحق الإشارة إليها في هذا السياق، تجربة “ملقى النقد السينمائي” الذي أطلقته هيئة الأفلام، كخطوة نوعية في محاولة جادة لردم الفجوة بين الإنتاج السينمائي والخطاب النقدي. هذا الملتقى مثّل منصة حوارية جديدة جمعت بين صنّاع الأفلام والنقاد والمهتمين، في مساحة تفاعلية تتجاوز التقييم الانطباعي إلى نقاشات معمقة حول اللغة، الشكل، والمضمون. من جهة أخرى، لا يمكن إغفال الدور المهم الذي تؤديه المنصات النقدية المستقلة في تعزيز هذا الحراك. فقد بدأت تظهر مبادرات ثقافية رقمية مثل ميم السينمائية، منصة فاصلة، ونشرة ثمانية، التي تسهم في فتح مساحات تحليلية جديدة للنقاش حول السينما السعودية والخليجية، بعيدًا عن الطابع الانطباعي السائد. هذه المنصات تمثل أصواتاً نقدية ناشئة وواعدة، تعكس تنوّعًا في الخلفيات والرؤى، وتطرح أسئلة حقيقية حول شكل السينما، وظيفتها، وتمثيلها للهويّة والمجتمع. ومع ذلك، لا تزال بحاجة إلى زخم تراكمي واستمرارية مؤسسية لتصبح جزءًا معترفًا به من المشهد السينمائي، وتتحول من مبادرات فردية إلى حراك نقدي فاعل يوازي تطور الصناعة ويعيد تشكيل الذائقة العامة حسب تعبيرها. محمد جميل أحمد : تطبيع علاقات الجمهور بالسينما أما بالنسبة إلى الناقد محمد جميل أحمد فيرى أن: “هناك حراك سينمائي لا يمكن أن يغفله المراقب، وسيتمخض مع مرور الوقت عن تجارب مختلفة، يحكم على مؤشرات نجاحها لاحقاً. فما هو مهم اليوم: تطبيع علاقات الجمهور بالحراك السينمائي، بعد أن أزالت الدولة من أمامه قيوداً كثيرة. وبالتأكيد ستختبر السينما السعودية هويتها الخاصة، لكن ذلك رهين بالاستجابة لتحديات كثيرة”. و يضيف ناقدنا: “أهم استجابة لتحديات السينما السعودية اليوم هو في إطلاق حرية الحراك السينمائي وتركها لاختبار صناعتها بحرية، فذلك هو التحدي الأبرز. و يكمل: “ ان دور هيئة الأفلام السعودية مهم جداً في مجال الانتاج السينمائي السعودي والعربي، فالتمويل اليوم هو من أهم تحديات صناعة السينما. و وجود مهرجانات سعودية للسينما؛ كمهرجان البحر الأحمر يضفي مصداقية كبيرة على صناعة السينما السعودية ويتيح فرصاً كثيرة للقاء السينمائيين السعوديين والعرب ويخلق فرصاً جديدة للتعاون والدعم. و يؤكد محمد جميل أحمد: “نعم هناك تحديات كثيرة تواجه السينمائيين السعوديين اليوم، وأكبر تحدي هو اختبار تجارب ذاتية لهوية خاصة بالمجتمع السعودي وأهم تحدٍ في هذا الصدد هو صناعة بصمتها الخاصة عبر إبداع قصص وحكايات سعودية تصلح لأن تكون أمثولة وهوية ذاتية. وهذا أمرٌ لا يمكن أن يحدث بين ليلة وضحاها، ويحتاج إلى وقت وجهد. و وجود أكثر من 70 قاعة سينمائية بالمملكة العربية السعودية، يمثل استجابة للبنية التحتية في صناعة السينما، وهو أمر لابد منه لاجتذاب مرتادي هذا الفن. خلال هذه السنوات هناك تجارب سينمائية تنطوي على مؤشرات واعدة لسينما سعودية لايزال في جعبتها ما تعد به من مواهب وتجارب سينمائية ناجحة. ف حضور السينما السعودية في المهرجانات العالمية مهم جداً لأنه سيتمخض مع مرور الوقت عن تجارب تفاعلية ملهمة”. أما عن النقد السينمائي السعودي فيرى: “ أنه مازال في طور جنيني ويحتاج إلى وقت، وهو نقد لابد منه لقراءة وتقييم تجربة الأداء السينمائي السعودي” حسب جميل.