ريم سمير البيات : ضعف التعليم السينمائي المؤسس من ناحيتها تقول المخرجة ريم سمير البيات: “إن السينما السعودية تختبر هويتها بوصفها سؤالًا حيًّا لا إجابة نهائية له. فالهويّة هنا ليست قالبًا جاهزًا، بل تجربة تنمو عبر الاحتكاك بالواقع، والانغماس في خصوصية المكان والذاكرة والوجدان الشعبي. إنها تمضي في طريق مليء بالتوترات، بين الحنين إلى ما يشبهنا، والرغبة في اكتشاف ما لا نعرفه بعد عن أنفسنا. ولهذا، فالسينما في المملكة اليوم لا تكرر ذاتها، بل تمتحن روحها في كل عمل جديد، وكأنها تكتب ملامحها فيلمًا بعد آخر، على مهل، وبقلق مشروع. و عن مدى استجابة صناعة السينما في المملكة لتحدياتها الموضوعية فتعتبر مخرجتنا: “أن استجابت الصناعة جزئيًّا، إذ أحرزت تقدمًا على مستوى البنية التحتية، وتكاثر الإنتاج، وانفتاح السوق. إلا أن التحديات لا تزال قائمة، أهمها ضعف التعليم السينمائي المؤسس، وغياب شبكات دعم مستقلة، وصعوبة الوصول إلى منصات توزيع عادلة. كما أن الصناعة، رغم انفتاحها، لا تزال تتوجس من التجريب الجمالي، وتفتقر إلى التنوع في الأصوات والرؤى، الأمر الذي يهدد بالتكرار والتشابه”. و عن ما تقدمه هيئة الأفلام من دور في دعم الإنتاج السينمائي، فترى أن: “هيئة الأفلام تمثل حجر أساس لا يمكن تجاوزه في المشهد الراهن، وقد بدأت خطوات لافتة في دعم الإنتاج، وفتح مجالات التدريب، وتمويل مشاريع مستقلة. غير أن التطلعات أكبر من ذلك بكثير، إذ يُنتظر منها أن تتحول من جهة داعمة إلى حاضنة فكرية ومعرفية، تواكب المسار الفني وتضمن له استدامة، لا أن تكتفي بالموسمية أو التمثيل الرمزي. و فيما يتعلق بماتسمح به مهرجانات السينما في السعودية، كمهرجان البحر الأحمر، بفرص دعم وشراكات مع المبدعين من منتجين ومخرجين في الساحة العربية والدولية. فتقول : “تشكّل مهرجانات السينما في المملكة وعلى رأسها مهرجان البحر الأحمر نافذة فاعلة نحو العالم، ومنصة للتلاقي بين صناع الأفلام، والنقّاد، والمموّلين. غير أن التقييم العادل يجب أن يتجاوز البهرجة إلى الأثر؛ فالسؤال الحقيقي: هل تُمكّن هذه المهرجانات السينمائي السعودي من أن يستمر، لا أن يظهر لمرة واحدة فقط؟ وهل تُراكم الأثر على الصعيد المهني، لا فقط الإعلامي؟ تلك هي المعايير الأصدق لقياس النجاح”. و تضيف: “نعم، ثمة قيود لا تُقال، لكنها تُحسّ. الخوف من التأويل، من الاصطدام بالقيم السائدة، من تبعات “الاختلاف”؛ كلها تشكّل طوقًا غير مرئي يحدّ من حرية المبدع، حتى حين لا يُفرض عليه شيء. القيد اليوم ليس فقط خارجيًّا، بل داخلي، نابع من القلق الاجتماعي، والرقابة الذاتية، وشروط السوق، وكلها تعرقل شجاعة الانطلاق”. و تكمل: “صناعة السينما في المملكة العربية السعوديةينقصها الإيمان بأن السينما ليست فقط منتجًا قابلًا للتسويق، بل مشروعًا ثقافيًّا طويل النفس. ينقصها بيئة نقدية حقيقية، وأجسام مهنية مستقلة، ومساحات حرّة للفشل والتجريب. كما ينقصها تراكم زمني كافٍ لصقل التجربة، وإنتاج جيل يعي التقاليد السينمائية كما يبتكر لغته الخاصة. كما أن انتشار القاعات مؤشر واضح على الطلب والرغبة، لكنه لا يكفي دلالةً على الوعي أو التفاعل النقدي. فالفارق كبير بين المشاهدة بوصفها استهلاكًا، والمشاهدة بوصفها فعلًا ثقافيًّا منتجًا. لا تزال العلاقة بين المجتمع والسينما في طور التشكل، وهي بحاجة إلى تربية ذائقة، وتعزيز الحوار، ليصبح الذهاب إلى السينما فعلًا معرفيًّا لا ترفيهيًّا فحسب”. و فيما يتعلق بمدى ترجمة الصناعة السينمائية لاستجابة المجتمع لتطلعات الفاعلين السينمائيين السعوديين فترى البيات: “أن المجتمع لم يُقصِ السينما، بل استقبلها بتلقائية وفضول. وقد أثبت في أكثر من مناسبة قدرته على التفاعل مع الأفلام المحلية، خاصة حين تحمل صدقًا شعوريًّا، ولمسة إنسانية. إلا أن هذه العلاقة لم تُختبر بعد على نحو كافٍ، وتحتاج إلى صبر وتكرار وتجارب متنوعة كي تترسّخ، وتتجاوز الانبهار إلى المشاركة. و تضيف: “الحضور الدولي منح السينما السعودية مشروعية رمزية، ولفت أنظار العالم إلى طاقاتها الكامنة. إلا أن التحدي يكمن في ألا يتحوّل هذا الحضور إلى غاية بحدّ ذاته، بل إلى وسيلة للارتقاء بالخطاب البصري، ولتثبيت خصوصية سردية نابعة من الذات. النجاح في الخارج جميل، لكن قيمته الحقيقية تُقاس بمدى تأثيره في الداخل. أماعن تجربة النقد السينمائي في المملكة فتؤكد البيات أنها: “لا تزال متواضعة، مشتتة بين الانطباع العابر والتحليل السطحي. وهي تحتاج إلى تأسيس جديّ لخطاب نقدي يحتكم إلى أدوات معرفية، ويتعامل مع الفيلم كوثيقة ثقافية وفنية، لا فقط كترفيه. فالنقد ليس تعليقًا على العمل، بل شريك له في تشكيل الوعي وتوجيه البوصلة الجمالية”. طارق الخواجي : اختبار السينما السعودية لهويتها الخاصة أمر مبكر بالنسبة إلى الناقد طارق الخواجي فيعتبر أنه: “في الوقت الذي قطعت فيه السينما في بلدان عدة حول العالم تاريخها الطويل، يبدو أن اختبار السينما السعودية لهويتها الخاصة أمراً مبكراً، لكن الحقيقة أن ظهور هذه الهوية وتشكلها في صور متعددة من خلال الأفلام التي صدرت خلال السنوات الماضية، أظهر أنه رغم التأخر إلا أن هناك مساحات واسعة للاستكشاف، بل أن زمن هذا الاكتشاف وجد طريقه سريعاً مع النهضة الثقافية الواسعة اليوم، وبخاصة فيما يتعلق بالعمق التاريخي والثقافي للمنطقة. و فيما يتعلق باستجابة صناعة السينما في المملكة لتحدياتها الموضوعية فيرى ناقدنا: “أعتقد أن الاستجابة جاءت سريعة ومباشرة، من حيث أنها وجدت من خلال التحديات المتوقعة سبيلاً للنشاط نحو مناطق ما زالت لم تكتشف في إطار الصورة السينمائية، ويمكنك القول أن هذه الاكتشافات تأتي في سياقات تاريخية أو معاصرة حديثة. و يضيف: “يتميز الدور الذي تقدمه الهيئة في مساراته المتعددة، فالهيئة تعمل بجد يشعر به العاملون في القطاع من خلال العمل على تاريخ السينما العربية وتطوير أرشيفها الهائل، ومن خلال محاولتهم الجادة في تطوير المسار النقدي بالتوازي مع دعمهم للإنتاج السينمائي، يمكنك النظر إلى المؤتمر السينمائي وتنقله الجغرافي في المملكة، ولمبادرة ضوء، وحضورهم المكثف في المهرجانات السينمائية محلياً وعالمياً. و دعم الأفلام حاجة ملحة في سوق السينما وصناعة الإبداع، وبعكس ما يتوقع الكثير فإن الدعم ليس مرتبطاً على الإطلاق بوجود صناعة ناشئة ووسط يتشكل، بقدر ما هو حيوي وحساس، ولنا في صناديق الدعم الموجودة في بلدان عريقة سينمائية أمثولة في طبيعة القطاع وحساسية الدعم المهمة”. و فيما يتعلق بوجود قيود غير مرئية تحد من انطلاقة المبدعين السعوديين نحو تجريب أكثر جرأةً يرى الخواجي أنه: “دائماً وأبداً تكمن مشكلة القيود في ذهن المبدع والمبدع وحده. اليوم هناك فرص هائلة فيما يتعلق بالقصص التي تستقي منها السينما وقودها السردي، ولا يوجد عذر في هذا التوفر يشترط على المبدع البحث عن المثير للجدل والجرأة المجردة من حكاية ملهمة. و يكمل: “لطالما كررت رأيي بأن أكثر ما نحتاجه هو تجويد كتابة نصوص أفلامنا. هناك مخرجون رائعون ومنتجون مبدعون من الجنسين، ولدينا مواهب رائعة فيما يخص عملية التصوير والتحرير والصوت، لكن تظهر مشكلة الكتابة كراهن يجب التعامل معه بجدية وهذا يتحقق من خلال تطوير الأدوات والتفاعل الحقيقي مع الثقافة المحلية والعالمية”. و فيما يتعلق بوجود أكثر من 70 قاعة سينما في المملكة و مدى دلالتها على تفاعل المجتمع في المملكة مع هذه الصناعة الحديثة يقول الخوارجي أن:”له دلالة لا ترتبط بالسينما في رأيي وإنما ترتبط بعلاقة الناس مع مفهوم الترفيه عموماً، سيكون رأيي مختلفاً عندما تكون أفلامنا هي المهمين على قاعات السينما. و عن صناعة السينما بالمملكة، و كيف ترجمت تلك الصناعة:استجابة المجتمع لتطلعاتالفاعلين السينمائيين السعوديين يعتبر ناقدنا: “أستطيع القول أن الكثير من الأفلام وحضورها الشعبي وكذلك الانتباه العالمي لها، يترجم هذه التطلعات. بيد أن ما يحدث بالداخل في الصناعة من صناديق دعم، والمساحة الهائلة من محفزات الإنتاج سواء على صعيد القصة والمكان والزمان يشكلون استجابة واسعة يثبتها الاهتمام العام وإقبال الناس على المشاركة بالظهور والرغبة في التعاطي مع المشهد بصور مختلفة. و عن حضور السينما السعودية في أبرز مهرجانات السينما العالمية فيعتبر: “أجده محفزاً يفرض شروط الجودة والتعاطي مع صناعة الفيلم بجدية يستحقها الحدث. هذه مهمة وألقيت على عاتق المبدع، فإن لم تلزمه شروط الإبداع بتجويد عمله، فسيدفعه هذا الحضور لأخذ الأمر بجدية بالغة. و يكمل: “لا زلت أرى أن هناك مساحة هائلة ليثبت النقد السينمائي السعودي جديته، فهناك عوامل عدة برأيي تجعله يتقدم باستحياء بالغ، فهو حديث إلى حد ما، ويكتب فيه بعض من يدركه جيداً ومن ليس كذلك، كما أن الأقلام المشاركة بالنقد السينمائي هي من عمق المشهد ولها علاقات وثيقة بصناع الأفلام، وهذا يحد إلى حد ما من صرامة الكتابة وعدم الخلط بين عرى المعرفة وجدية النقد، كما أعتقد أننا لا نزال نخلط بين النقد والانتقاد من الجهتين الناقد والمتلقي. هذا لا يلغي وجود نقودات جادة ومميزة، ولأنها كذلك فهي عزيزة في المشهد”. محمد البشير : لا صناعة سينمائية دون نقد من ناحيته يعبر الناقد محمد البشير: “تشكل السينما السعودية هويتها الفنية الحديثة في خضم تحوّلات اجتماعية وثقافية تشكلت بأيدي صناع أفلام يتطلع لوضع موطئ قدم في السينما العالمية ، وذلك من خلال ما يمارسه من جدل مع ذاته المحلية سعيًا لترجمته بلغة بصرية تليق بما يُقدم عالميا، ومع جمهور متنوع يتشكل وعيه السينمائي حديثًا، ولذلك تحاول السينما السعودية اختبار ذاتها في كل فيلم، وبلورة هويتها لا كنسخة من الآخر، بل كصوتٍ ينحت ملامحه من الإنسان، والمكان، والتاريخ والتحوّل. و يضيف: “إن السينما السعودية استجابت لتحدياتها بجرأة ومكاشفة، فهي وإن أتت متأخرة، إلا أنها تعي أن البداية لا بد أن تكون من حيث انتهى الآخرون، لذلك اختزلت سنوات في بضع سنين، ولا تزال في مرحلة البناء المتسارع لتهيئة البنية التحتية والكوادر بجهود مؤسساتية واعدة، والإيمان بأن التحدي الحقيقي يكمن في بلورة هوية فنية سعودية أصيلة قادرة على منافسة الصورة العالمية دون أن تفقد جذورها”. و يكمل: “تسعى هيئة الأفلام ضمن بقية الجهات؛ لتذليل الصعوبات، وإتاحة الفرص، والسعي إلى الوصول إلى الاستدامة التي تتطلع إليها، فدورها الحقيقي يكمن في تهيئة البيئة الصحية لصناعة سينمائية تنهض من تلقاء نفسها، والاعتماد على ذاتها بعد أن تقلص الجهات المانحة الدعم، شيئا فشيئا، وهذا لا يكون إلا باكتمال أضلاع الصناعة من مُنتِج ومُنتَج ومُستهلِك ، يكفل دوران عجلة صناعة الأفلام . فالسينما صناعة دون نظر لجنسية، ووجود شعار مهرجان دولي كالبحر الأحمر على أفلام تصل إلى مهرجانات عالمية يزيدنا فخرا، وحضور هذه الأسماء والتواصل معها يكفل تبادل الخبرات فيما بيننا، وهذا ما نطمح إلى الاستزادة منه، والاحتفاء بكل منجز لكل فيلم صنع بدعم من مؤسسة سعودية، فالتميز السينمائي يتطلع إليه كل صناع الأفلام في العالم دون النظر إلى جنسية الفيلم، وهذا ما تقوم به كل المهرجانات العالمية الكبرى وصناديق التمويل العالمية ، والسعودية وضعت اسمها ضمن هذه الجهات بقوة في سنوات قليلة”. و عن ان كانت ما تزال هناك قيود غير مرئية تحد من انطلاقة المبدعين السعوديين نحو تجريب أكثر جرأةً يرى البشير: “الأفلام الأخيرة أثبتت جرأة صُنّاع الأفلام على التجريب، وترى ذلك في ناقة مشعل الجاسر، وهجرة شهد أمين، وأغنية الغراب لمحمد السلمان، والقائمة تطول، ولا شك أن هناك قيود غير مرئية ربما يضعها صناع الأفلام من تلقاء أنفسهم، وهذه أشد خطرا من القيود نفسها، فصناعة السينما تحتاج إلى كثير من الجرأة ، وهذا ما يتشكل في كل تجربة مع مرور الوقت. أما عما ينقص صناعة السينما في المملكة العربية السعودية فيعتبر أن: “ القول بالاكتمال هو أول خطوة للوقوف، ولذلك ما زلنا في حاجة إلى الكثير، الكثير من التنظيم والاكتمال، الكثير من الثقة بالمنتج السعودي، والمغامرة من أجله، ورهان شركات الإنتاج على الفيلم السعودي، وثقة صالات العرض بمنح قليل من الفرص وساعات الذروة للأفلام السعودية، وكثير من السعي لصقل كل الأدوات من أجل أفلام نتطلع إليها جميعا، ونباري بها العالم . و يستطرد قائلا: “ بعيدا عن عدد القاعات وحاجتنا إلى المزيد والتوسع؛ فأرقام شباك التذاكر يضع السعودية في مقدمة الشرق الأوسط، ومنافسة الدول الكبرى في الإقبال على السينما، وهذا يعود لعدة عوامل منها: مكانة السينما في نفوس السعوديين، وهذا ما يكفل الاستمرار مدى ما زاد الاهتمام بترسيخ هذه الصناعة بعدة وسائل لدى الناشئة، في المدارس والجامعات، واتخاذها وسيلة رئيسية للترفيه . لا زالت السينما في اختبار الشباك سعيا للوصول إلى ما يحقق نتائج إيجابية لدى الجمهور، ويقينا مع الوقت سيفهم المنتج ما يجذب المشاهد، فالأرقام أثبتت تنوعا جيدا في شرائح المشاهدة ،فسطار جذب لونا من المشاهدين، وشباب البومب جذب شريحة عمرية شابة، وهوبال جذب شريحة مختلفة جدا، ومندوب الليل جذب فئة أخرى، وهكذا تنوعت الأفلام، وتنوع المشاهدون، وهذا ما يستحق دارسة لمعرفة السوق. و عن حضور السينما السعودية في أبرز مهرجانات السينما العالمية، كمهرجانات: كان، برلين، فينيسيا، تورنتو ..تأثيره في ردود فعل صناعة السينما السعودية في الداخل فتعتبر أن هذا الحضور منح الثقة لصناع الأفلام لمزيد من المنافسة، وثقة موازية لصناديق الدعم بهذه الأفلام التي لا تجد رواجا في صالات السينما ؛ بينما تحقق حضورا في المحافل العالمية، فالسينما تحتاج إلى هذين النوعين من الأفلام ، والأكثر حظوة من استطاع أن يجمع ما بين الاثنين : المحافل وشباك التذاكر”. و يكمل :”سعت هيئة الأفلام واعية بأهمية النقد للاحتفاء بالنقد من خلال ملتقيات النقد السينمائي ، ومؤتمر النقد السينمائي ، والمبادرات المصاحبة لطباعة الكتب والاحتفاء بالمقالات، وانطلاق جمعية النقد السينمائي ، ومع ذلك ما زلنا بحاجة إلى مزيد من التحريض على النقد، والتشجيع على التلقي الإيجابي بتسجيل موقف سواء كان إيجابيا أو سلبيا تجاه الأفلام، فلا صناعة من دون نقد ، فالأفلام السعودية أخذت نصيبا جيدا من النقد العربي والعالمي في المحافل العربية والعالمية مرورا بوجدة لهيفاء المنصور، والتلقي اللائق للفيلم، وما أعقبه من أفلام وجدت نصيبها سواء كانت قصيرة أيام البدايات لموجة الأفلام السعودية، أو ما نعيشه اليوم من حراك يحتم علينا التلقي الموازي، وهذا لا يكون إلا بمزيد من التحفيز ، والسعي لصقل أدوات التلقي” حسب تعبيره . هناء العمير : نقص الخبرات من جهتها ترى الكاتبة و المخرجة هناء العمير أن:”السينما السعودية تستمد هويتها من قصصها الخاصة وجغرافية المكان. المجتمع السعودي مجتمع متنوع وذو تاريخ ممتد لآلاف السنين .. وهذا شيء يشكك فيه البعض من خارج المملكة لأننا لم نرو تاريخنا بشكل صحيح. كذلك هناك اعتقاد خاطئ أن المملكة ليست سوى صحراء ممتدة. وهذا أبعد ما يكون عن الواقع. الجزيرة العربية كانت دائماً حافلة بالواحات والمناطق الزراعية وممر للقوافل التجارية .. ونشأت فيها حضارات متعددة بالغة القدم. هناك سردية ثرية جداً لم ترو بعد والسينما وسيلة أساسية في كسر الصور النمطية الخاطئة عن السعودية. و تضيف: “صناعة السينما في السعودية تواجه تحديات عديدة كصناعة ناشئة وهي بطبيعتها معقدة. أعتقد أكبر تحدي يواجه السينما السعودية هو نقص الخبرات. هناك مواهب كثيرة وكبيرة ولكن ينقصها الخبرة. وهذا طبيبعي كجزء من المرحلة ونحن مهما حاولنا لن نستطيع قفز المراحل. لكننا نعمل على اختصارها قدر الإمكان. و تكمل العمير:”أن دور الهيئة أساسي و مهم جداً ولكن الصناعة معقدة ولازالت تحتاج إلى الكثير. ومن المؤكد أن أثر هيئة الأفلام سيكون أكثر وضوحاً مع مرور الزمن لأنه عمل تراكمي. أما بخصوص ما تساهم فيه مهرجانات السينما في السعودية كمهرجان البحر الأحمر بفرص دعم وشراكات مع المبدعين من منتجين ومخرجين في الساحة العربية والدولية، فترى: “أن تنشيط الإنتاج السينمائي جزء مهم من عمل أي مهرجان. لأنها تعود على المهرجان نفسه وسمعته وقوته في المنطقة وكجزء من المجتمع الدولي السينمائي. وقد استطاع البحر الأحمر في فترة وجيزة أن يفرض اسمه في المحافل الدولية من خلال الأعمال الفنية المميزة التي دعمها”. أما فيما يتعلق إن كانت لازالت هناك قيود غير مرئية تحد من انطلاقة المبدعين السعوديين نحو تجريب أكثر جرأة فتقول أن: “القيود هي في طبيعة المرحلة. فالجمهور الآن مقبل على السينما. والسينما التجارية هي وقود ومحرك الصناعة والبعض يتخوف من التجريب حتى لا يحسب الفيلم على السينما الفنية. شخصياً لا أؤمن بهذا الفصل بين السينما الفنية والتجارية ولكن أعتقد أننا كسينمائيين سعوديين أمام مسؤولية القرب من الجمهور مع التجريب المدروس الذي يتواصل مع الجمهور ولا يتعالى عليه. أما عما ينقص صناعة السينما في المملكة العربية السعودية فتجيب ينقصها المستثمر المستعد لخوض مغامرة الإنتاج السينمائي. و تكمل: “ السعوديون محبون للسينما منذ زمن طويل. لقد كان الكثير من الشباب السعودي يذهب إلى البحرين في عطلة نهاية الأسبوع فقط لحضور السينما. هناك تفاعل كبير وهذا التفاعل لن يستمر إلا بوجود أفلام سعودية في الصالات. لقد نجح فيلم هوبال مثلاً في أن يجذب جمهوراً جديداً لصالات السينما. التفاعل يستمر ويتأثر بعرض أفلام سعودية فهي التي تضمن استمرار الحضور وتجدده. و لاشك أن طموح السينمائيين كبير. وبكل تأكيد مهما كان هناك تسارع في الدعم وغيره لازالت العجلة بطيئة في بعض النواحي ولكن ما يحدث هو إنجاز عظيم والقادم أجمل”. و عن حضور السينما السعودية في أبرز مهرجانات السينما العالمية، كمهرجانات: كان، برلين، فينيسيا، تورنتو. تأثير هذا الحضور في ردود فعل صناعة السينما السعودية في الداخل فتعتبر العمير :”هذا الحضور يعطي قوة للصناعة وللسينمائيين السعوديين بلا شك. ويؤكد تميزهم وأهمية الدعم الحكومي ويسهل استمراره ويعطيه مشروعية أكبر. ولذلك هو مهم بقدر أهمية النجاح التجاري ومبيعات التذاكر”. و تكمل: “هيئة الأفلام قامت بمبادرة رائعة وهي ملتقي النقد السينمائي تؤكد فيه وعيها بمقومات الصناعة ودعائمها. فلا يصح أن تتشكل حركة فنية سينمائية دون أن يواكبها قراءات نقدية تبين المشهد السينمائي وتوضحه للجمهور وتواكب الإنتاج الذي يتزايد يوماً بعد الآخر” حسب تعبيرها. ريم الماجد : هيئة الأفلام تلعب دورًا جوهريًا من ناحتها تعتبر المخرجة ريم الماجد أن السينما السعودية: “ تسعى اليوم لتشكيل هوية متفرّدة بأصوات سعودية تنبع من خصوصية المجتمع وتطلعه، وهي تحاول ترجمة الواقع السعودي الحديث بلغة بصرية معبرة وفريدة كما أن السينما السعودية تخوض حوارًا داخليًا مع ذاتها ومع واقعها المتغيّر، وتؤسس هويتها الخاصة التي تنبع من روح المكان والإنسان. إنها لا تبحث فقط عن “شكل سعودي” للسينما، بل عن جوهر يعكس التجربة الوجودية لمجتمع يعيش تحولات عميقة. الأصوات الجديدة تعبّر عن واقعها بجرأة،وتتفرد بصوتها المحلي الذي سيصل حتما عالميا، وتعيد تعريف مفهوم الصورة السعودية في الوعي الجمعي”. و تضيف: “استطاعت الصناعة السينمائية مواجهة تحدياتها الأساسية وإيجاد حلول لها كقلة الكفاءات والخبرة الإنتاجية، عبر مبادرات تعليمية وتعاونية تسعى لبناء بنية تحتية قوية ومستدامة. ولكن رغم النشاط الملحوظ، ما زالت الصناعة تواجه تحديات بنيوية مثل ضعف منظومة الإنتاج المتكاملة، وندرة الكفاءات التقنية المتخصصة، وصعوبة الوصول إلى تمويل مستدام. ومع ذلك، استطاعت المبادرات المؤسسية والجهود الفردية أن تبني أساسًا واعدًا من التجارب التي تتعلم وتطوّر أدواتها باستمرار”. و عن هيئة الأفلام تقول الماجد” تلعب دورًا جوهريًا في تمكين المبدعين وتسهيل الإنتاج كما وتمثل تحولا محوريا لنا كصناع أفلام، فهي لم تكتفِ بالدعم المالي والمعنوي الذي تقدمه، بل أسست لثقافة مهنية تُقدّر السينما كحرفة ومعرفة. كما ان دورها في تدريب المواهب، وتسهيل الوصول إلى شبكات الإنتاج، خلق مناخًا يُشجّع على التجريب والابتكار، وهو ما تحتاجه أي نهضة فنية حقيقية. و عن أثر حضور السينما السعودية في المهرجانات العالمية و المحلية كمهرجان البحر الأحمر، تقول مخرجتنا :”منحت السينمائيين السعوديين والعرب منصة تفاعلية خصبة، تُشجّع على الشراكات والإنتاج المشترك وتقديم الدعم للإنتاج والتعلم ، مما يعزز الحضور السعودي في المشهد العالمي ويقوي اندماج السينما المحلية ضمن السياق العربي والدولي. هذه المهرجانات لم تعد فقط منصات عرض، بل فضاءات للتفاعل، للتعلّم، ولخلق شراكات إنتاجية تعزّز من حضور السينما السعودية في خارطة العالم”. و تكمل: “لخلق وتحفيز جرأة في الطرح وليصل صوت الفنان بصدق لا بد من وجود بعض القيود الثقافية والنفسية والتي تخلق تحديا لصانع الفيلم لكي يرسم الفن بصوته بصدق. لذا وجودها سيجعل صانع الفيلم في تحدي لسرد قصصه بطرق مختلفة. ما ينقص الصناعة هو المزيد من التنوع في الرؤى والنصوص، واستمرار الاستثمار في التعليم السينمائي وبناء منظومة إنتاج متكاملة مستدامة توازن بين الفن والسوق، إضافةً إلى دعم أقوى للنصوص والكتاب، لأن قوة السينما تبدأ من الورق قبل الصورة”. كما انتشار قاعات السينمائية يعكس فضولًا اجتماعيًا متزايدًا ورغبة حقيقية في التفاعل مع هذا الفن كجزء من الحياة اليومية وهذا ليس فقط ازدهارا اقتصاديا، بل يدل على تحوّل ثقافي حقيقي؛ الجمهور السعودي أصبح أكثر انفتاحًا وفضولًا تجاه التجارب السينمائية المحلية، ما يعكس نضوج الذائقة ورغبة المجتمع في أن يرى ذاته على الشاشة”. و تضيف: “تزايد الإقبال الجماهيري يبرهن على أن المجتمع بدأ يرى السينما كأداة فهم وتعبير، لا مجرد ترفيه. السنوات الأخيرة أثبتت أن المجتمع السعودي يتفاعل بصدق مع القصص التي تعبّر عنه بصدق. الجمهور يبحث عن التماس الإنساني الذي تعكسه الأفلام، وهذا ما شجّع صناع السينما على خوض موضوعات أكثر عمقًا وشجاعة. أما عن حضور السينما السعودية في أبرز مهرجانات السينما العالمية، كمهرجانات: كان، برلين، فينيسيا، تورنتو .. أثر هذا الحضور فترى: “أن الحضور السعودي في المهرجانات العالمية مثل كان وبرلين وفينيسيا أعاد تعريف صورة السينما المحلية في نظر العالم. هذا التفاعل الدولي ولّد طموحًا أكبر في الداخل، فصار كثير من المبدعين يسعون إلى رفع جودة أعمالهم ومواكبة المعايير العالمية دون فقدان الهوية”. و عن النقد السينمائي في السعودية فتعتبره مخرجتنا انه: “ لا يزال في طور التكوّن، لكنه يسير بثبات نحو وعي نقدي أعمق يُثري التجربة ويواكب نمو الصناعة. هناك جيل من النقاد بدأ يواكب الإنتاج برؤية تحليلية وجمالية، مما يخلق حوارًا صحيًا بين المبدع والمتلقي، وهو أمر أساسي لنضج أي مشهد سينمائي حيّ. ومن المبادرات اللافتة التي تؤكد اهتمام الحراك السينمائي السعودي بالنقد، محليًا وعالميًا، إقامة “مؤتمر النقد السينمائي” في المملكة، الذي يتيح تواصلاً مباشرًا بين النقاد السعوديين وصنّاع الأفلام مع خبرات نقدية راسخة من مختلف أنحاء العالم. هذه المبادرة لا تُثري الحوار فحسب، بل تُسهم في بناء بيئة نقدية تنمو عامًا بعد عام، وتُرسّخ مفهوم النقد كجزء أصيل من تطور الصناعة السينمائية نفسها” حسب قولها. عبد المحسن المطيري : التحدي اللوجستي هو التحدي المهم للسينما السعودية بالنسبة إلى الكاتب و المخرج عبد المحسن المطيري يعتبر: “السينما بشكل مجرد لم تكن جدلا، لكن الغرب هو من صنع منها جدلا، كما صنع جدلا بالفكر، و بالسياسةو بالأخلاق، بالنسبة إلي السينما هي فن إنساني،فعندما تشاهدين سينما العالم الثالث حتى سينما العوالم الأخرى البعيدة عن الغرب كالسينما الصينية و الكورية و اليابانية و الإفريقية الكازاخستينية حتى الروسية تجدين فنا إنسانيا خالص لا يثير بالضرورة جدلا معين بالتالي السينما ليس من المفترض أن تكون حالة جدلية. كما أعتبر أن أغلب التحديات للسينما العربية بشكل عام هي تحديات لوجستية و مالية،فدائما السينما حالة اقتصادية و تتطلب دائما تواجد لوجستي و بشري و مالي، في السينما السعودية هناك تواجد بشري و هناك التواجد المالي لكن بحكم أننا مزلنا في البداية في هذا الحقل الفني وبالتالي التحدي اللوجستي مازال كبيراً . و بخصوص دور هيئة الأفلام فيرى المطيري أن: “ دورها متميز و أن التقصير في الدول العربية هو من الشركات الخاصة في المجال السينمائي اذ اعتبرهم مجرد مقاولين منفذين فهم لا يساهمون مساهمة فاعلة أو تطوعية لتطور السينما العربية من الناحية الإنتاجيةأو التطويرية أو التدريبية، لكن دور هيئة الأفلام اعتبره دور فوق المطلوب أصلا. و يكمل: “مفهوم الحرية و القيود اعتبره مفهوم مغلوط على المستوى العربي و اعتقد أننا نحد من أنفسنا دائما إذا سألنا هذا السؤال لان السينما الإيرانية لها قيود و مع ذلك واصلة للعالمية و واصلة لبشرية و تجيد صناعة السينما و صناعة الإنسان و اللحظة و التفاصيل الفنية في أفلامها، لذلك اعتبر مسألة الحرية و القيود غير ضروري للانجاز السينمائي، فالسينما حدوتة ففي أي موضوع يمكن من خلال الحدوتة أن تكون أنت الرقيب الأول و ليس المشرع. يجب على صانع الأفلام العربي أن يتجاوز هذه النقطة أن يصبح هو رقيبه الأول و رقيبه الثاني المشاهد و لا يفكر بالرقيب المشرع و لا يصنع الفيلم من اجل الجرأة فالفيلم يكون من أجل الحكاية السينمائية. و يضيف المطيري: “في مسألة النقد السينمائي، أعتبر أن النقد هو مرآة للمخرج و مرآة للكاتب و مرآة للمنتج ، فالنقد حالة صحية يجب أن تكون نابعة من الجميع و لا تكون محصورة بين نخبة أو محصورة و قليلة جدا بين النقاد، فالنقد المفروض أن يكون من الجمهور أولا و من صناع الأفلام أنفسهم . سواء كان هذا النقد نقدا إيجابيا أو سلبياكما يجب أن نستمع إلى أراء مختلفة من أجل الصناعة و لا يجب أن يكون الناقد مجرد علاقات عامة للفيلم يتم دعوته لحفلة أو لسجاد أو مهرجان من اجل مدح هذا الفيلم او ذاك، يجب ان يكون الناقد يحمل قلمه و يقيم الفيلم بشكل محايد”حسب رأيه.