تُعد صورة المرأة في الدراما التلفزيونية والمسرح مرآة تعكس مستوى الوعي المجتمعي والثقافي تجاهها، كما تعبّر عن القيم السائدة والمعايير التي تُشكّل هذا الوعي. في هذا المقال، يُطرح سؤال جوهري: من يمتلك شرعية تمثيل المرأة درامياً؟ هل يكفي أن يُكتب عنها، أم لا بد أن تكتب هي ذاتها؟ كيف يمكن للدراما أن تُحدث أثراً حقيقياً في إعادة تشكيل الصورة الذهنية للمرأة السعودية؟ صورة المرأة وتحديد القضايا التي تُناقشها وتجسدها في الدراما التلفزيونية أو في المسرح من يحددها؟ ومن يُدرك أبعادها، ويعي حجم وأهمية ما يُطرح باسمها، ويُعبّر بحق عن همومها وثقافتها وحدودها الاجتماعية؟ هل يستطيع الكاتب الرجل أن يطرح صورة المرأة المؤثرة التي تعكس واقعها بكل حياد ومنطقية، وأن يقدّمها بإبداع درامي قادر على التأثير في الثقافة والصورة المتشكّلة عنها؟ أم أن المرأة وحدها هي القادرة على كتابة ذاتها، وتجسيد صورتها كما ترى نفسها أو كما تطمح أن تكون؟ هل من الممكن أن يُكتب عن المرأة بصدق دون أن تكون هي صانعة النص، وصاحبة الصوت؟ ما يُكتب عن المرأة في الدراما التلفزيونية والمسرح لا يرتبط بجنس الكاتب، سواء أكان رجلًا أم امرأة، بل بالوعي والثقافة التي يمتلكها، والتي تحدد ما إذا كانت الأدوار المقدَّمة لها تعبّر فعلًا عن ذاتها في المجتمع، وتلامس احتياجاتها، وتطرح قضاياها بصدق. إذ تُسهم هذه الرؤية الواعية في تقليص الفجوة الثقافية والإدراكية بين الرجل والمرأة، من خلال تقديم صورة أكثر اتزانًا وإنصافًا للمرأة في الخطاب الدرامي. فتشابه ما يُجسَّد من صور عن المرأة السعودية في الدراما التلفزيونية والمسرح، يكشف عن ضيق في زاوية الرؤية، وغياب للوعي بأهمية التنوع والاختلاف، والأثر الكبير الذي تتركه الصورة في المتلقي، لا على مستوى الانطباع فحسب، بل على مستوى الوعي الجمعي والتمثيل الثقافي. إن هذا الوعي يجب أن يتحلّى به صنّاع العمل الدرامي، بدءًا من الكاتب، فالمسؤولية الأولى تقع عليه، ثم تمتد إلى المنتج، ثم الفنان الذي يُجسّد الدور ويمنحه صورته البصرية. فتحوّل النص إلى عمل بصري يتطلب وعياً عميقاً بأبعاده لا كقصة تُروى، بل كرسالة تُبنى. إن وعي الكاتب بأهمية ما يكتب ويطرح من أفكار، لا يكفي أن يكون مبنياً على الجاذبية اللحظية، بل لا بد أن يُنتج أنماطاً متعددة ومختلفة لصورة المرأة. لم يعد مقبولاً الاكتفاء بالنمط السطحي المستهلك الذي طالما تكرر في أعمالنا الدرامية التلفزيونية والمسرح، بل ينبغي أن تكون الصورة مرآة لتطلعات المرأة وآمالها، ومعبرة عن كينونتها، ووعيها بذاتها، ودورها الحيوي في المجتمع والأسرة. ولنصل إلى صورة شبه مكتملة للمرأة في الدراما التلفزيونية والمسرح، صورة تُسهم في تشكيل وعي ثقافي جمعي جديد، لا بد أن يحظى العمل بمنتج يملك حسّاً عالياً بالمسؤولية تجاه ما يُقدَّم باسم المرأة، ويفهم ما يجب أن يُقال عنها، وكيف ينبغي أن تُجسّد هي ذاتها على الشاشة. المنتج الواعي لا يسعى فقط إلى المكاسب المادية أو نسب المشاهدة المرتفعة، أو تقديم ممثلات لا يمتلكن موهبة فنية، بل إلى أثر حقيقي يُحدث فرقاً على ساحة الدرامية التلفزيونية والمسرح. أما الممثلة التي تتقمص الدور، فعليها أن تدرك قيمة ما تقدّمه، وأن تدرسه بعمق، وأن تعي أن مهمتها لا تقتصر على الأداء، بل على تجسيد إنساني يُنقذ النص من الجمود، ويمنحه حيوية تؤثر في المتلقي وتبقى عالقة في الذاكرة. ومن هنا تتعاظم مسؤوليتها بوصفها امرأة تحمل في حضورها صوتاً لجيل كامل من النساء؛ فهي لا تقف على الخشبة أو أمام الكاميرا لتكرّر ما كُتب لها، بل لتعيد صياغة الأسئلة التي يتهامس بها المجتمع، وتمنحها جسداً وصوتاً ومعنى. إن وعي الممثلة بثقافتها وهويتها، خصوصاً حين تأتي من سياق سعودي شديد التحوّل، يجعل من كل دور مساحةً لقول ما لا يُقال خارج المسرح والدراما التلفزيونية. فحين تفهم جذور قضايا المرأة، وحساسياتها، وتطلعاتها، تتحوّل أدوارها إلى جسر يقلّص الفجوة بين ما تريده المرأة حقاً وما يُفرض عليها. وبقدر ما تمتلك جرأة التفكير وصدق التعبير، تستطيع أن تحمل على كتفيها أسئلة مجتمع كامل، وتمنحها شكلاً فنياً يعيد ترتيب نظرة الجمهور إلى المرأة ودورها في الحياة العامة. إن صورة المرأة في الدراما التلفزيونية والمسرح ليست مجرد خيار جمالي أو فني، بل هي مسؤولية ثقافية واجتماعية وأخلاقية لذا فإن أي تناول لصورتها ينبغي أن يكون واعياً، عميقاً، ومتعدّد الأبعاد؛ يُنصف المرأة، ويمنحها حقّها في أن ترى ذاتها كما هي، لا كما يُراد لها أن تكون. * ماجستير في الأدب المسرحي.