أسباب غياب الصحافة الاستقصائية في الصحف الخليجية.

على الرغم من التطور الذي تشهده الصحافة الخليجية خلال السنوات الأخيرة، على مستوى الإخراج الفني والبنية التقنية وسرعة التغطية من خلال التوظيف الأمثل للإعلام الرقمي، إلا أن الصحافة المتأنية أو الاستقصائية، كما شاعت تسميتها، لا تزال تشكّل الحلقة الأضعف في المشهد الصحفي الخليجي، باستثناء محاولات محدودة وخجولة هنا وهناك. يغيب التحقيق الاستقصائي عميق الأثر عن البياض الأعظم في صفحات الصحف الخليجية اليومية. ولتغيب أيضًا أسماء الصحفيين النشطين في الميدان، في مشهد يختلف كثيرًا عما عهدناه نحن، جيل صحافة منتصف التسعينات وما بعدها. والسؤال: ما الذي ينقصنا لنمارس صحافة البحث والاستقصاء القادرة على الكشف والتغيير بالشكل الذي يمارَس في الصحف العربية في بلدان عدة؟ تتشعب الإجابات، فيذهب بعضها إلى الخطوط التي غالبًا ما تتسم بالصرامة، إضافة إلى الإطار القانوني الذي يحد من ازدهار الصحافة الاستقصائية في الخليج، وغيرها من العوامل التي تدفع المؤسسات الصحفية إلى تبني سياسات تحريرية حذرة، وهو ما يحد من قدرة الصحفيين على إنتاج محتوى استقصائي مستقل يكشف التقصير ويفتح ملفات المساءلة طلبًا للتغيير إلى الأفضل. خلال مشاركتي الأخيرة في مؤتمر «أريج» للصحافة في عمّان، وأمام عدد من التحقيقات الاستقصائية التي استطاعت أن تصنع الفرق وتكشف المستور، وإعلان نتائج تصفيات التحقيقات الحائزة على الجوائز من مصر والعراق وغيرها من الدول العربية، شرد ذهني باحثًا عن أسباب غياب ثقافة الصحافة الاستقصائية في المؤسسات الصحفية الخليجية: هل هي الرغبة في نشر المحتوى السريع والأقل تكلفة على حساب التحقيقات المعمقة؟ أم هو نقص الكوادر المدرّبة على أدوات ومهارات البحث وتحليل البيانات؟ أم خلل يطال مقدار شجاعة الطرح ومثابرة البحث لدى الجيل الجديد من الصحفيين؟ أم هي ضغوط سوق الإعلانات وتراجع مبيعات النسخ الورقية؟ وفي ظل التحولات الرقمية وانتقال معظم الصحف الخليجية إلى فضاء المنصات، يرى الراصدون أن هذا التحول يظل شكليًا ما لم تتم مراجعة شاملة تعمل على بناء قدرات الصحفيين، وتوفير الحماية المهنية التي تمكّنهم من إنتاج محتوى استقصائي جاد، يمكن أن يشكّل نقطة تحول حقيقية في تاريخ الصحافة الخليجية ومستقبلها، في ظل تحديات البقاء في ظل تعقيدات المشهد الصحفي. *صحافية بحرينية