السعودية جعلت مكافحة الفساد «وقاية» لا «رد فعل».
في لحظة تاريخية تغيّر فيها شكل الدولة الحديثة، و تتبدّل فيها أدوات القوة من جغرافيا السلاح إلى منظومة الثقة .. اختارت المملكة العربية السعودية أن تبني أمنها من الداخل أولاً، و لهذا جاءت مكافحة الفساد في المملكة «وقاية» لا «رد فعل» ، و هذا خياراً استراتيجياً لا يستند إلى حدثٍ عابر، بل إلى فهمٍ عميق بأن الدولة القوية هي الدولة التي تُغلق أبواب العبث قبل أن تُفتح. هذا التحوّل لم يكن شعاراً، بل منهج حكم يعيد تعريف الأمن الوطني، فالمملكة أدركت أن الخطر على الدول لا يبدأ من حدودها، بل يبدأ حين تتراخى الرقابة، و تضعف الشفافية، و يتسلل الفساد ليُربك الاقتصاد، و يزعزع الثقة . لذلك قررت السعودية أن تكون النزاهة جزءاً من بنيان الدولة، و لا تكون جزءاً من حملاتٍ موسمية تُطلق ثم تُنسى. و قد أثبتت التجارب العالمية أن الدول تنهار من الداخل قبل أن تُهزم من الخارج ، فالفساد هو العدو الذي لا يُرى، لكنه قادر على تعطيل المشاريع، و إضعاف المؤسسات، و شلّ قدرة الحكومات على اتخاذ القرار .. لهذا جاءت رؤية 2030 لتضع «الحوكمة» و «النزاهة» في قلب مشروعها، و تربط بين التنمية الاقتصادية و قوة النظام الرقابي، و بين جذب الاستثمار و صرامة المحاسبة. و حين تقول المملكة إن مكافحة الفساد وقاية .. فهي تعيد صياغة علاقة الدولة بمواطنيها: فالمواطن لا يثق بقوة الاقتصاد ما لم يثق بقوة العدالة، و لا يطمئن للمستقبل إن لم يكن القانون هو السقف الذي يحمي الجميع دون استثناء، و السعودية اليوم تعطي نموذجاً نادراً في المنطقة: دولةٌ تُحاسب الكبير قبل الصغير، و تغلق أبواب الامتيازات غير المشروعة، و تُعيد الاعتبار إلى فكرة «المال العام» باعتباره «أمناً عاماً» لا يحق لأحدٍ المساس به. لقد شهدت المملكة واحدة من أعمق عمليات إعادة الهيكلة الإدارية و الرقابية في تاريخها، ليس بهدف المواجهة فقط ، بل بهدف تجفيف منابع الفساد قبل ظهوره ، و لذلك تكاملت مؤسسات الرقابة، و انفتحت أبواب البلاغات، و أصبح السوق السعودي أكثر جذباً للمستثمرين لأنه يقوم على قواعد معلومة، و لا يقوم على استثناءات فردية. و من هنا، يصبح واضحاً أن مكافحة الفساد في السعودية ليست إجراءً مالياً .. بل إجراءً سيادياً ، فالدولة التي تبني مشاريع عملاقة، و تحوّل اقتصادها إلى اقتصادٍ عالمي متنوع، لا يمكن أن تسمح بوجود أي ثغرة تهدد ثقة الناس، و لا ثقة المستثمرين، و لا ثقة الشركاء الدوليين ، و لهذا كانت الرسالة واضحة: من يعبث بالمال العام، يعبث بأمن الدولة ، و من يعبث بالأمن، لا مكان له في المستقبل. و بين يدٍ تُحاسب، و يدٍ تحمي، أثبتت الدولة أن القوتين واحدة: قوة العدالة التي تنظّم الداخل، و قوة السيادة التي تحمي الخارج، و لهذا استطاعت المملكة أن ترفع كفاءة مؤسساتها، و تُقوّي اقتصادها، و تعيد تعريف معنى الاستقرار في عالمٍ يموج بالاضطرابات. إنّ الدول لا تُقاس بحجم الأرض، و لا بكمية الثروة، بل بقيمة الأنظمة التي تحمي هذه الثروة، و بقدرتها على ردع الفساد قبل أن يتشكل، و السعودية اليوم تقدّم نموذجاً حديثاً في الحكم: نموذج يعرف أن الوقاية لا تُقلل من الهيبة .. بل تصنعها. لقد صنعت مكافحة الفساد في المملكة بيئةً جديدة: •أكثر شفافية •أكثر صرامة •أكثر عدالة •و أكثر انسجاماً مع مشروع دولةٍ تتقدم بلا خوف، و تُصلح بلا تردد، و تبني مستقبلها على أساس لا يتصدّع و هكذا، لم تعد مكافحة الفساد في السعودية برنامجاً إدارياً .. بل ركناً من أركان السيادة الوطنية .. ركناً يحمي المواطن، و يحمي الاقتصاد، و يحمي استقرار دولةٍ قررت أن تكون قوية في جذورها، و صادقة في نواياها، و واضحة في رسالتها للعالم: الأمن يبدأ من النزاهة .. و النزاهة تبدأ من دولةٍ جعلت مكافحة الفساد «وقاية» لا «رد فعل».