الحضانة الرقمية.

لم تعد أخلاق الطفل وألفاظه، في العصر الرقمي،  تعكس أسلوب والديه وأخلاقهم؛ فالطفل اليوم يتلقّى تربيته من خليط تقني، ربما كان والداه سببا في الإهمال، لكنهما ليسا سببا مباشرا فيما يتلفظ به أو يمارسه من سلوك؛ وهذا واضح أيضا في اختلاف اللهجات بين الكبار والصغار، وطريقة نبرهم وحديثهم. ومن هنا تجاوز الزمن نظرية تأثير الوالدين المباشر إلا فيما يخص الثوابت الراسخة في الدين والثقافة، وحتى هذه ثمة ما قد يزعزعها كلما تقدم العمر بالطفل وصار أكثر إدراكا لما يتلقّاه من الآخرين فيما يمكن تسميته بالحضانة الرقمية المتأخرة. إن صغارنا اليوم يتلقّون لهجاتهم وسلوكياتهم ومعارفهم من الخوازميات الرقمية بما يعيشونه من عزلة أسرية تنأى بهم عن مجتمع الأسرة وتغرسهم في المجتمع الافتراضي بين الألعاب والتطبيقات في عوالم جديدة تباعد بينهم وبين بيئة الأسرة بمفهومها الاجتماعي القديم. وفي ظل ظروف كهذه فإن اقتحام هذا العالم الرقمي بالتطبيقات المعرفية والبرمجيات التربوية أمر بالغ الأهمية والفرص متاحة للمبدعين التقنيين أن يبتكروا لأطفالنا عوالم جديدة تعيدهم إلى محاضنهم الأولى من طريق الألعاب التي تقدّم لهم الحصانة والحضانة في صيغ رقمية مرتبطة بالقيم الأسرية من أجل الحفاظ على هويتهم وفطرتهم قبل أن يشبّوا عن الطوق فلا يجدون حولهم سوى ظلال أرقام فارغة من أحلام الطفولة وذكرياتها الحميمة.  إن الحصانة الرقمية نوع من الحضانة التي تحمي الأبناء من جفاف الآلة العاطفي بتقديم البدائل الوجدانية والمعرفية بدلا من تركهم ضحية للنموذج الآلي البعيد عن روح الإنسان وتجربة الحياة الواقعية.