شاعر يستنطق تراث جازان..

«وأنا بُر وأنا دُخن» لعبدالرحمن موكلي.

صدر حديثًا عن دار أروقة للدراسات والترجمة والنشر بالقاهرة كتاب «وأنا بُر وأنا دُخن» للمؤلف عبدالرحمن موكلي، في 212 صفحة، ضمن مشروعه المتواصل في استنطاق تراث جازان من الداخل، عبر الكتابة التي تمزج السيرة بالأنثروبولوجيا والذاكرة الشعبية. وأهدى المؤلف الكتاب إلى والده، في إهداءٍ دال يقول فيه: “إلى والدي أورثتني أرضًا وضيعتها وسلاحًا وبعته، وبقيت مواقفك، تدلني كلما تهت!” وفي تقديم الكتاب، يكتب الشاعر إبراهيم زولي تعريفًا نقديًا يضع العمل في سياقه الثقافي، معتبرًا أن الكتاب لا يتناول الطعام بوصفه وصفةً منزلية، بل بوصفه عتبةً لأسطورة مكتملة عن الجسد والمكان واللغة. وينطلق موكلي من «المرسة» وحبات البرّ والدخن، ليفتح سردًا طويلًا عن عالم القرية: التنور، سوق الثلاثاء، أصوات النساء وهنّ يعجنّ، والعبارة الشعبية التي تعلن الجاهزية: «وأنا بُر وأنا دُخن». ويتحرك النص في منطقة وسطى بين السيرة الذاتية والكتابة الأنثروبولوجية؛ ذاكرة طفل تراقب تفاصيل المطبخ والسوق، لكنها ذاكرة واعية تقرأ اللغة والأمثال والأسماء كما يقرأ الباحث مادته الميدانية. وتبدو جازان هنا حقلًا رمزيًا تتعادل فيه اليوميات مع الأسطورة، وتتجلى فيه علاقة المكان بالبحر والوادي والقبيلة. ويضم الكتاب فهرسًا غنيًا بالعناوين التي تتوزع بين فصول عن «المرسة» وأنواعها، والحبوب، واللحوم، والأسماك، وممارسات الطعام ودلالاته الرمزية، من بينها: المرسة، مرسة البر، مرسة الدقيق، مرسة الدخن، مرسة الخضير، وأنا بُر وأنا دُخن، الذرة، العُتّامة، الصُبحيّة، السمن، طبخ اللحم باللبن، الحوت، الحوت المالح، تقديس العيش، أكل التراب/الطين، مرق الهوى، الفداء بالدجاج، الحمام/اليمام، وغيرها من العناوين التي تستعيد المخزون الشفهي وتفكك دلالاته الثقافية. ويأتي «أنا بُر وأنا دُخن» بوصفه مساهمة في كتابة «أنثروبولوجيا من الداخل»، كتابة لا تكتفي بالحنين، بل تحوّل الذاكرة الغذائية واللغوية إلى أسئلة مفتوحة حول ما يبقى من المكان في أطباقه وكلماته وأساطيره الصغيرة.