“كم الساعة عندكم؟”.
“كم الساعة عندكم؟” يتجاوز مجرد استفسار. غالبًا ما يرتبط هذا الموقف بابتسامة خفيفة تحمل في طياتها تهكمًا بسيطًا. هذه الابتسامة ليست مجرد ردود فعل عابرة، بل تعكس حالة من الوعي المعقد حول العلاقة بين الزمن والوجود. أمام حقيقة أولى، يقول ريكو: “الحقيقة الأولى عن العالم ليست حقيقة الفيزياء الرياضية بل حقيقة الإدراك.” بدون الإدراك، كأنك تعيش في حالة من الفراغ؛ لا زمن حقيقي لك. فهل هناك زمن حقيقي وزمن غير حقيقي؟ اقصد حقيقي في هذا المقال هي حالة الإدراك، كما نعلم عند هوسرل، هي فعل من أفعال الوعي. إذا أدركت شيئًا ما، يلزم أن يكون هناك مدرك. وفي اللحظة التي أعيشها هنا، يكون الزمن حقيقيًا. أما السؤال عن زمن خارج هذه اللحظة، كأنه لا يعني لي شيئًا، سواء كان الزمن عندي وعندك مختلفًا في القياس أو كانت ساعاتها نهارية أم ليلية، فهو زمن غير حقيقي. كل ما يعني لي الآن هو حالة التوافق الزمني التي أشعر بها مع الموجود الآخر. كما يقول هوسرل: “لابد أن نفهم العالم كما يبدو للوعي.” هذا التوافق يثبت لي أن هناك تفوقًا زمنيًا. تتفوق هذه اللحظة المعاشة على أي زمن يقع خارجها. أو لنقل، إذا سلمنا بوجود زمن، فهو زمن غير مرتبط بالنفس الإنسانية. في هذه الحالة، عندما يكون الزمن غير مرتبط بشكل مباشر بالنفس الإنسانية، أستطيع أن أقول إن هناك زمنًا تراتبيًا؛ يأتي أولاً الزمن المدرك المعاش، وثانيًا الزمن الفيزيائي. لكن ما يحيرني هنا هو: أين تقبع اللحظات غير المدركة؟ هل هي في الزمن الأول أم الثاني، عندما تحضر اللحظة ولم يحضر الوعي معها؟ ماذا يحصل في رصيد هذه اللحظات في أي زمن تعيش؟ مع السؤال “كم الساعة عندكم؟”، يبدو كأنه التقاء بين زمنين مختلفين: زمن أصيل ذو طابع تاريخي وزمن زائف لا علاقة له بتاريخ هذا الموجود البشري ، اجوف ، وكأن لهذه اللحظة المدركة زمانيتها التي تبث الحياة فيها لتعطي الزمن أصالته. كما يقول هايدجر: “إن الدزاين يزمن كينونته بوصفها زمانًا.” هذا يدعوني للتأمل في كيفية سير الزمن. هل يسير فعلاً بشكل مستقيم، أم هناك نوعان من سير الزمن؟ لأنه لو كان الزمن المدرك والزمن الفيزيائي يسيران بخط مستقيم، لما حدث كل هذا التشابك بين هذه اللحظة والوجود، ولما حدث كل هذا التداخل بين حياة الفرد وحياة الآخر. لما الوقوف عند مفترق طرق الكثير من اللحظات المدركة ليس وقوفًا اعتباطيًا، بل هو ولادة لحظة عند المفترق، وكأنها فرصة للمدرك أن يعيد تشكيل فهمنا لهذا الواقع. نعيش في حالة من التجدد المستمر بأفعال وعي مختلفة، كانت متخيلة أو مدركة أو متذكرة. وحالة التوقف سير زماني مرتبط ارتباط كبير بالخبرة و التجربة الإنسانية المعاشه فقط . وكلما أصبنا بتخمة اللحظات المعاشة، نصنع لأنفسنا زمنًا تاريخيًا. زمانيته جاءت من طبيعة الإنسان ذي الطابع التاريخي، الذي أعطاها أنية حية لها تأثيرها وشعورها. وهذا ما لا يستطيع الزمن الطبيعي أن يصنعه، بل ويتخلى عنك في لحظة اسمها الموت. مع تآكل الحدود الزمنية، نحن لا نعيش فقط في لحظة معينة، بل نعيش في حالة من الإنصات للخلق. نعم، يُصبح الزمن ساحة للخلق والتجديد. نحن مدعوون لحفلة الزمن لنحتفل ببهجة الوجود. الزمن ليس مجرد قياس، بل هو تجسيد للتجربة الإنسانية واحتفال بالتغيير والنمو. ولتنهَ حفلتها مع مدعو آخر يعتذر لها لارتباطه مع وقت فيزيائي، ليقول: “والآن وداعًا، حان وقت موعدي للذهاب للعمل.” لنعد هنا إلى قول نيوتن الذي اعتبر الزمن الحقيقي هو الزمن المطلق الذي يتدفق بالتساوي. أبهما وقتك؟ *باحثة وعضو جمعية الفلسفة