غياب الأدباء ومسؤولية «الهيئة»

كان لافتًا غياب (واعتذار) عدد كبير من الأدباء عن المشاركة في البرنامج الثقافي المصاحب لمعرض جدة للكتاب الذي اختتم مؤخرًا. يُعزى هذا الغياب إلى عوامل تتعلق بالأدباء أنفسهم، وأخرى مرتبطة بهيئة الأدب، التي رغم تشددها في حماية حقوق المؤلف، فإنها تتسامح (وربما لا تعلم) مع ممارسات بعض الشركات المشغلة لبرامجها التي لا تولي أهمية كافية لهذا المبدأ الأساسي لدى وزارة الثقافة. خطورة هذا الغياب لا تقتصر على البُعد المادي، بل تمتد لتشمل تراجع دور الأدباء الحيوي كقادة فكر ومبدعين قادرين على التفاعل مع المجتمع. في مجتمعاتنا، لا يمكن للأديب أن يكتفي بالكتابة فقط؛ فالإبداع يتطلب انخراطًا أعمق في واقع الحياة اليومية وما تحمله من تحديات. مسؤولية الأديب تتضاعف، إذ يُنتظر منه التعبير عن وعي المجتمع وآماله، وأن يدرك أن مهمته تتجاوز حدود الكتابة إلى التأثير والتفاعل المباشر مع الناس. فالقصيدة، على سبيل المثال، لا تكتمل إلا عندما تحقق حضورها الفعلي بين الجمهور، وتتحول إلى أداة تواصل حية تُسهم في بناء وعي جديد. بذلك، يتجاوز الأديب العزلة ويصبح جزءًا لا يتجزأ من حركة التغيير المجتمعي. المؤمل أن تتوصل هيئة الأدب مع شركائها إلى صيغة مناسبة تعيد تعريف العلاقة بين الأدباء والجهات المنظمة، على أن تقوم هذه العلاقة على الشراكة الحقيقية واحترام الحقوق. فهذه الشراكة ليست رفاهية، بل ضرورة لتعزيز المشهد الثقافي وقيمه العليا ومواجهة التحديات التي تعترض طريق الإبداع في مجتمعنا.