استعراض الكتب والاستعراض بها.
ثمّة بونٌ شاسعٌ, بين مَن يستعرض الكتب, وغايته إفادة القرّاء, من خلال لفت أنظارهم لكتابٍ ما, هو يراه على قدرٍ من الأهميّة, أو إصدارٍ جديد, تضمنّ إضافة جديدة. وبين مَن يطالعك كل يوم, بتصويره لرصّات الكتب يستعرض بها, أو قوائم طويلة لعناوين كتبٍ, منتقاة بعناية, وبأعدادٍ مهولةٍ, وغايته لفت الأنظار لشخصه هو, وقد لا يكون في الحقيقة, على علم بما احتوته تلك الكتب. الفرق بين من يستعرض الكتب, ومن يستعرض بها, واضح جدًا, من خلال الطرح الذي يُقدمه كلّ منهما. فالمستعرض بالكتب, قد تجده لا يذكر عن هذا الكتاب أو ذاك, سوى اسم المؤلّف, وأحيانًا اسم المترجم, دون أن يتجاوز معلومات الغلاف, تمامًا كما شاهده, أو أخذه من بين قائمة المصادر والمراجع لكتابٍ ما, كان قد تصفّحه اكترونيًّا أو ورقيًّا, ثم جاء يستعرض به. بينما تجد الطرح مختلفًا, لدى مَن يتصدّى لاستعراض الكتب, بداية من إحساسه بالمسؤولية, تجاه غاياته وأهدافه النبيلة, التي حملته على الكتابة عن الكتاب. ثم تجاه القارئ, الذي دأبَ على بناء جسورٍ معه, من الثقة والمصداقيّة, كعقدٍ بينهما, حتى أصبح ذلك القارئ, يأخذ عنه وهو مطمئنٌّ إليه. من أجل ذلك كله, لن تجد كتابًا يستعرض كتابًا بعينه, مالم يكن قد أشبعه درسًا ومراجعةً, وأحاط بكلّ شاردة وواردة فيه. لا تجده يقول عن الكتاب أو فيه إلا حقًا, يورد ما له وما عليه, مدعّمًا بالشواهد, مقتبسًا منه الأمثلة التي يدلّل بها. فلا يصدر عن رأي في الكتاب, أو معلومة, بناء على هوى شخصيّ, أو انطباع غير مسؤول. لا أنكر أنّ مجرّد ذكرك لكتاب, أو عرض صورته, قد يمثّل معلومة مهمّة, يُفيد منها قارئ وربّما باحث, غير أنّ الأمر يصبح مذمومًا في نظري, مع المبالغة فيه لغرض المباهاة. هل رأيتَ عزيزي القارئ, عالمًا أو علَمًا مرموقًا, يستعرض الكتب التي قرأها؟ والأخطر أنّ البعض قد يعود لملخّص كتاب, في بعض قنوات اليوتيوب, ثمّ يستغني به عن قراءة الكتاب, ليس هذا وحسب, وإنما يوهم نفسه والآخرين, بأنّه قد قرأه وملمٌّ بما فيه. لندع ـ إذًا ـ الاستعراض بالكتب جانبًا, ونتحدّث عن استعراض الكتاب, وعرضه وتقريظه. والذي يبدو لي, أنّ كتابة تقريظ أو عرض لكتاب, تختلف عن كتابة استعراض له, في العرض والتقريظ, لن تجد غير الثناء على الكتاب أو المؤلف, أو عليهما معًا, دون أن تجد ذكرًا, لجوانب القصور والنقص. ذاك أنّ العرض والتقريظ, لا يُكتَب أيّ منهما إلا بطلب, سواء من مؤلف الكتاب, أو من جهةٍ ما, كدار النشر مثلًا. أيضًا يبدو لي, أنّ الفرق بين التقريظ والعرض, يأتي من كون التقريظ, قد يطلبه المؤلف من أستاذه, أو ممّن هو سابق له في العلم بموضوع الكتاب, حين يعرضه عليه ولمّا يزل مخطوطًا, وفي الغالب نجد ذلك التقريظ, وقد تصدّر الكتاب على هيئة تقديم, وهذا ما جرَتْ به عادة بعض الكتّاب, من المتقدّمين والمتأخرين. أعتقد أنّ العرض يختلف عن التقريظ, في كون العرض لا يُكتب إلا بعد صدور الكتاب, وإذا لم يكن بطلب, فهو بما يشبه الطلب, وذلك لصعوبة الجزم بأنّ إهداء الكتاب, يعني طلبٌ ضمنيّ للكتابة عنه, ويتركز هذا ـ بصورة أوسع ـ في الإصدارات الإبداعيّة. من أشهر الشعراء والكتّاب الكبار, الذين جمعوا بين كتابة الاستعراض والتقريظ والعرض, هم حسب علمي, الدكتور غازي القصيبي رحمه الله, في كتابه الضخم ( الخليج يتحدث شعرًا ونثرًا), ومن اليمن الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح رحمه الله, وأذكر من كتبه كمثال, كتابه ( مرايا النخل والصحراء), لأنّ هناك غيره بالتأكيد.