رفضوا تَسلُّم جوائز أدبية.
يُعد الأديب الإيرلندي الشهير جورج برناردشو أكثر الأدباء شهرة ممن رفضوا تَسلُّم جائزة أدبية. ورغم أن هذه الجائزة هي جائزة نوبل للآداب فإنه كان أول من رفضها وقال عنها: إنها طوق نجاة يلقى به إلى رجل وصل فعلًا إلى بر الأمان، ولم يعد عليه من خطر. ومما قاله في نوبل: إنّني أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت، ولكنّني لا أغفر له أنّه أنشأ جائزة نوبل.. إنّني أكتب لِمَن يقرأ، لا لأنال جائزة. لكن برناردشو لم يلبث أن تسلَّمها في العام التالي دون قبض قيمتها المادية. هو مثال فقط على من رفض تَسلُّم جائزة أدبية رغم أهمية الجائزة معنويًّا، وقيمتها العالية ماديًّا (أكثر من مليون دولار)، لأسباب متنوعة؛ شخصية أو اجتماعية أو سياسية، أو ربما أدبية. ورغم أن من رفضوا تَسلُّم جوائز أدبية لا يشكلون النسبة الكبرى في مساحة من تَسلَّمها فإنهم كانوا بالفعل علامة فارقة في خارطة الأدب العالمي، ولا يزال يتذكرهم العالم حينما نسي ربما بعض من تَسلَّمها واستمتع بقيمتها المادية والمعنوية. كما أن بعض من رفض تَسلُّم الجائزة كان يقول إن المبادئ الأخلاقية والسياسية يمكن أن تتفوق على الشهرة والمكافآت المادية. ولا نعني هنا قطعًا أن نقول بعدم أهمية هذه الجوائز التي تضفي حيوية على المشهد الثقافي عالميًّا دافعة الجميع إلى المنافسة عليها وشحذ هممهم الأدبية من أجل منتج أدبي أفضل، لكننا نحاول هنا استعراض بعض نماذج هؤلاء ليس إلا. وممن رفض تَسلُّم جائزة أدبية الروائي المصري شادي لويس، الذي رفض تَسلُّم جائزة ساويرس عن روايته (تاريخ موجز للخليقة وشرق القاهرة) عام 2021م، بعد أن كان قد وافق على تَسلُّمها لكون ذلك من شروط الحصول عليها. ورفض الروائي المصري صنع الله إبراهيم (توفي في أغسطس 2025م) تسلُّم جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي عام 2003 لأسباب سياسية، رغم حضوره لحفل توزيعها. أما الفيلسوف جون بول سارتر فقد رفض، في عام 1964، تَسلُّم جائزة نوبل للآداب لأنه كان يعدها قبلة الموت، ولأنه كان ينقد عمل المؤسسات، ويرى أن قبولها يقيد عمل الأديب ويفقده استقلاليته الأدبية والفكرية، وقيل لأنه بسبب تقديم تلميذه ألبير كامو عليه في تَسلُّم الجائزة عن روايته الغريب. كما رفض سارتر أيضًا وسام جوقة الشرف الفرنسية. أما الأديب الروسي ليو تولستوي الذي عرف بزهده في الماديات والألقاب فقد كان، في عام 1906، يخشى ترشيحه لجائزة نوبل، فيصبح حينها من الصعب عليه رفضها، لذلك فقد طلب من صديقه الفنلندي أرفيد يارنيفيلت أن يسعى لعدم ترشيحه، لأنه سبق أن رشح في بدايات الجائزة عدة مرات. وقد كان وضع الكاتب الروسي بوريس باسترناك مختلفًا قليلًا عن ليو تولستوي، حيث فاز، عام 1958، بجائزة نوبل للآداب عن رواية دكتور زيفاكو، لكنه أجبر على رفض تَسلُّمها من قبل الاتحاد السوفييتي لأن الرواية كانت ممنوعة أساسًا من النشر هناك بسبب انتقادها للوضع السياسي. لكن ولده تَسلَّمها عام 1989 بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. أما خافيير مارياس، الأديب الإسباني، فقد رفض جائزة الرواية الوطنية الإسبانية عام 2012 بسبب معارضته لحكومة بلاده آنذاك، في حين رفض الأمريكي لورنس فيرلينغيتي جائزة يانوس بانونياس الدولية للشعر عام 2012 لأسباب سياسية. أما الروائي الأمريكي سنكلير لويس (1885- 1951) فقد رفض جائزة بوليتزر للرواية عام 1926 عن روايته أرووسميث؛ اعتراضًا على معايير اختيار الجائزة التي كانت تفضل الأعمال التي تُظهر “أفضل صورة لأمريكا”. وكان موقف الأديبة دوريس ليسينغ (1919- 2013) مختلفًا عن الكثيرين حين قبلت جائزة نوبل للآداب 2007، لكنها انتقدتها بشدة لكونها تركز على الكتاب الأوروبيين والأمريكيين متجاهلة أدباء القارات الأخرى. ومن طرائف تَسلُّم جائزة نوبل (لكن في الفيزياء) أن العالم الإنجليزي بول ديراك حين فاز بها عام 1933م، وكان معروفًا عنه أنه لا يحب الشهرة أو الضجة الإعلامية، قرر أن يتنازل عنها لهذا السبب فقط، ولأنها سوف تثير انتباه الناس إليه. لكن أحد أصدقائه نصحه بأن يقبلها لأنه إذا رفضها فسوف يثير دعاية أكبر بكثير مما لو قبلها؛ لكونه سيُعد أول عالم يرفض جائزة نوبل، وهو خلاف ما يريده! فقبلها رغم تردده الكبير. وأخيرًا فإن من أطرف مواقف رفض جائزة أدبية هو موقف الكاتب الروائي المصري من أصول سورية ألبرت قصيري (من قرية القصير بسوريا) ويكتب بالفرنسية، الذي رفض تَسلُّم جائزة أدبية لأن موعدها كان يتزامن مع وقت نومه، حيث اعتاد السهر ليلًا والنوم نهارًا، لذلك فإنه لم يستطع حضور حفل تَسلُّم الجائزة المقرر الساعة العاشرة صباحًا قائلًا: كم هو مؤسف أن تستيقظ كل صباح لترى وجوهًا تفسد عليك يومك.