« مسرحية الصرام » تشهد تنافساً بين الممثلين..

توظيف مدروس لمفردات النخلة .

تغلّب مخرج مسرحية الصرام المخرج سلطان النوه على المساحة الصغيرة لخشبة المسرح، مستغلّاً العمق المسرحي وتقسيم الخشبة إلى أمامي وخلفي بينهما ستارة شفيفة تكشف بوضوح ما خلفها، مع توظيف الوضع الأفقي باستخدام السلالم المتحركة، لتوفير مساحة لحركة الكورس من الممثلين وتوزيعهم بحرية في المساحة الصغيرة، معطياً مجالاً واسعاً ومريحاً للرؤية للمتفرجين دون ارتباك الممثلين وإعاقة حركتهم في بقعة صغيرة من المسرح. يأتي عرض المسرحية في إطار مبادرة “ستار” التابعة لهيئة المسرح والفنون الأدائية والتي قدمت على مسرح جمعية الثقافة والفنون بمحافظة الأحساء يومي ١٢-١٤ يوليو ٢٠٢٥، من إخراج سلطان النوه، وإنتاج الفنان قاسم الشافعي، وتأليف الكاتب المسرحي عبدالعزيز السماعيل، و”الصرام” حائز على جائزة أفضل نص في مهرجان الجنادرية عام 1997. ومن خلال مشاهدة المسرحية يتضح الاشتغال المدروس بعناية على توفير عناصر العرض المسرحي من اختيار الممثل المناسب والديكور والسينوغرافيا والموسيقى وتصميم الملابس الذي اشتغلت عليه بذكاء المصممة جليلة الصالحي بتوظيف مكونات النخلة من السعف والليف والكرب في تطريز الملابس، واستخدام شكل كَرَب النخلة كاكسسوارات مكملة لبعض ممثلي الكورس. تلك العناصر جميعها ساهمت في تقديم عمل فني ناضج ومتكامل. المسرحية من تمثيل مجموعة من الممثلين، والذين كان لهم أدوار بارزة، هم: عبدالله التركي وعلي الشويفعي وزكريا النجيدي وعباس الشويفعي والفنانة ناهد السليم وعبدالله المهيني وإبراهيم الجنوبي تصميم أزياء جليلة الصالحي وألحان عمر سعد الخميس وتسجيل موسيقى ومكساج محمد عبدالرحمن الحمد. المخرج سلطان النوّه وهو البارع في السينوغرافيا والذي نال بها العديد من الجوائز يبرع ويبدع في توظيف الإضاءة وتوظيف السعف والدرج لتوفير مساحة أمام الممثلين، ينتقل من الواقع إلى الحلم مستفيداً من قدرات السينما والتلفزيون في التذكر والرجوع إلى الماضي وتحريك الممثلين في حركة واحدة. التعلّق بالنخلة ومنذ المشهد الأول من المسرحية ووقوف الممثلة ناهد السليم أمام الجمهور مباشرة ونثر المشموم ودعوتهم لزواج ابنها سلمان، تدرك أنك قصة حقيقية تأخذك إلى عالم النخيل وموسم الصرام الذي يتم فيه جني المحصول السنوي في النخيل “التمر”، والذي يكون عادة في نهاية شهر يوليو والذي فيه يتم الاستفادة من توظيف أيدٍ محلية للعمل بأجور زهيدة جداً، أو مقابل أن يأخذ ما يسد به جوعه من التمر، أو قبض ريالات معدودة، بينما أرباح المحصول تذهب إلى المعزب صاحب النخيل، وتبقى تلك الأيدي الفقيرة في احتياج دائم للمعزب وهذا ما يجعلها ترضخ له وتنفذ أوامره، دون وجود وظائف منافسة أو بديلة في الجوار. ورغم وجود “الشركة” التي ترمز إلى شركة أرامكو كفرصة وظيفية تنقل اليد العاملة من سد الحاجة إلى توفير المال وبناء البيت والأسرة والانتقال إلى حياة رغيدة وهو ما حدث في الأحساء والمنطقة الشرقية منذ الستينات الميلادية إلا أن كاتب النص عبدالعزيز السماعيل يوظف هنا حنين ابن الأحساء إلى الأرض وعدم انتقاله إلى مدينة الظهران التي كانت بعيدة آنذاك ـ تبعد الآن 170 كيلو متر ـ والبعد عن الأهل فيه مشقة وغربة وحنين. يعزف هنا الكاتب السماعيل على وترِ حُبّ النخيل والتعلق بالأرض والمعاناة في الابتعاد عنها حتى لو كانت خمسة أيام في الأسبوع. تنافس الممثلين كان من عوامل نجاح المسرحية اختيار الممثلين الذين أجادوا دورهم ودخلوا في تنافس أضفى حيوية على المسرحية وتجسيداً حقيقياً للقصة، وهم: الممثل عبدالله التركي في دور (عويمر) حارس النخل، الخبل العاقل الذي يعرف كل شيء، والذي يتحرك برشاقة على خشبة المسرح، ينتقل بخفة من دور الخبل المجنون إلى العاقل المحب لأرضه، الشاهد والمليء بالأسرار والأحزان العاشق للنخل وهذه نقطة ضعفه، وفي دور صاحب النخل “المعزّب” زكريا النجيدي، الذي قدم دوراً صادقاً للرجل الإقطاعي. ويلعب علي الشويفعي كدّاد النخيل والمسؤول عن الحصاد، القاسي على العمّال وعلى سلمان المتميز فيهم، والعاشق المستهام الضعيف أمام “أم سلمان” التي تمناها زوجة لكن والدها رفضه لعدم كفاءة وضعه الاجتماعي. أدّت دور (أم سلمان) المغنية والممثلة ناهد السليم والتي أجادت في أداء الأغاني والتي مثّلت دورها بثقة تامة أمام خبرات تمثيلية في المسرح. تخلل برنامج عرض المسرحية معرض جانبي مساند لثيمة النخلة، عرضت فيه أعمال فنية وظفت عناصر النخلة: صور فوتوغرافية ولوحات تشكيلية وفيديو آرت وتصاميم ملابس وحقائب يدوية مشغولة برموز ومفردات النخلة.