انبثاق النور من الظلام.

منذ مدة بسيطة أخبرتني أمي بجملة كان لها الأثر الكبير علي” في هذه الحياة عليك أن تختار المعارك التي تستحق أن تخوضيها” ظل كلامها يطن في أذني كلما واجهتني مشكلة فأسأل نفسي :هل حقًا مشكلتي هذه تستحق بأن أخوض معركة من أجلها؟! . بالطبع هناك العديد من المواقف واللحظات التي سأواجهها في حياتي فهل يستحق أن أُثير عراكًا من أجل محادثة؟، موقف مزعج من أخي ، سائق توصيل تأخر . أيقنت أن ذلك سوف يؤدي لأن أخسر طاقتي في جدال وأضيع وقتي دون نتيجة أو فائدة تذكر . مررت بفترة صعبة ومرهقة لأعصابي لإكمال دراستي في الخارج وحينما خارت قواي وأنا أقاتل من أجل أن يحصل الأمر انهارت أعصابي وكنت أحارب بأقوى ماعندي من وقت وجهد ومال . حقيقة لا أعرف من أين أتيت حينها بهذه القوة والشجاعة. ولكي أنهي هذه المعركة مع ذاتي. تواصلت مع أحد الأصدقاء ولم يتردد في مساعدتي لإكمال دراستي هنا في وطني ولن أنسى أبداً ذلك الصنيع الذي غير حياتي. نجحت في الحصول على قبول في جامعة الملك عبد العزيز بجدة بتخصص “ علم المعلومات”وأنا حالياً أنهيت أول سنة وبتفوق ولله الحمد. ما أريد أن أخبركم به هو: أن الإنسان الذي تصادفه في الشارع، الجالس أمام طاولة المقهى، أصدقاءك، أهلك، كلٌ منهم يخوض معركة خاصة به. معركة الدراسة، العمل، الاستقرار، التربية، وغيرها الكثير . حينها يجب أن نحرص على أن نختار معاركنا بحكمة حتى لا تُستنزَف طاقتنا فتضيعُ هباءً منثورا ويجب أن لانستهين بالمعارك لأنها تُخرِج أفضل أو أسوأ ماعندنا. فأنت فقط من تحدد ذلك ،لأن الإنسان مخير ويملك حق الاختيار . كيف تمضي حياتك وكيف تسير فليس المهم متى ستصل إلى نتيجة أو تنتصر في المعركة لكن المهم أن نعي ما ولدته لنا تلك المعركة بما يتلاءم مع حاجاتنا. يقول جلال الدين الرومي “إن المعركة ليست بينك وبين الآخر، بل بينك وبين نفسك القديمة.” هي دعوة للتفكر بدلاً من العراك. فالرومي يخبرنا أن الخصم الحقيقي ليس الأشخاص أو المواقف التي تدور حولنا، بل ذلك الجانب الخفي في أعماقنا؛ الذات التي تخاف وتعيق تقدمنا نحو تحقيق ذواتنا الحقيقية. المعركة الحقيقية ليست في تفاصيل حياتنا والمواقف التي تدور بيننا، بل هي في دواخلنا حيث ينبثق النور، إذا ما واجهت ظلامك الداخلي.